هذه الحال، كنتم تخفون إسلامكم خوفًا من قومكم، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالعز والنصر والاشتهار، فَتَبَيَّنُوا وتثبتوا ولا تعَجلَوا، وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل اللهُ بكم، حيث حفظكم وعصمكم، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنًا بأنهم إنما دخلوا فيه اتقاء وخوفًا، فإن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل مؤمن، وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر. ثم هدَّدهم بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً مطلعًا على قصدكم، فلا تتهافتوا في القتل، واحتاطوا فيه.

رُوِي أن سريةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم غزت أهل فَدَك فهربوا، وبقي مرداسُ ثقًة بإسلامه، لأنه كان مسلمًا وحده، فلما رأى الخيلَ ألجأ غَنَمه إلى عاقول من الجبل (?) ، وصعد عليه، فلما تلاحقوا وكَبَّروا، كَبَّر ونزل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم، فقتله أسامةُ، واستاق غنمه، فنزلت الآية. فلما أخبر- عليه الصلاة والسلام- وَجِدَ وجدًا شديدًا، وقال لأسامة: «كيف بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!» قالها ثلاثًا، حتى قال أسامة: ليتني لم أكن أسلمتُ إلا يومئٍذ، ثم استغفرَ له بعدُ، وقال له: «اعتق رقبة» ، وقيل: نزلت في المقداد، مرَّ برجل في غنمه فأراد قتله، فقال: لا إله إلا الله، فقتله وظفر بأهله وماله، وقيل: القاتل: مُحلِّم بن جَثَامة، والمقتول: عامرُ بن الأضبط. والله تعالى أعلم.

الإشارة: يستفاد من الآية: الترغيب في خَصلتين ممدوحتين وخصوصًا عند الصوفية:

الأولى: التأني في الأمور والرزانة والطمأنينة، وعدم العجلة والخفة والطيش. وفي الحديث: «من تَأنَّى أصابَ أو كادَ، ومَن استعجَّلَ أخطَأ أو كَادَ» . ولا يُقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، ويفهم عن الله أنه مراد الله في ذلك الوقت.

والثانية: حُسْن الظن بعباد الله كافة، واعتقاد الخير فيهم، وعدم البحث عما اشتمل عليه بواطنهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أُمِرتُ أن أحكم بالظواهر والله يتولى السرائر» (?) وقال لأسامة: «هلاّ شققت عن قلبه» ، حين قَتَلَ مَن قال: لا إله إلا الله، أو لغيره. وفي الحديث: «خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير: حُسْن الظنِّ بالله، وحُسْن الظن بعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء: سوء الظن بالله، وسوء الظن بعباد الله» . والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015