فيه. والذي يقوي مادة المعنى ثلاثة: صحبة أهل المعنى، والفكرة في المعاني، وذكر الله بالقلب. واتقوا الله فى مباشرة الحس (لعلكم تفلحون) بالوصول إلى صفاء المعاني، واتقوا نار القطيعة التي أعدت لمنكر الخصوصية، (وأطيعوا الله والرسول) فيما ندبكم إليه، (لعلكم ترحمون) بإحياء قلوبكم وأرواحكم بأسرار المعاني، وسارعوا إلى ما يوجب تغطية مساوئكم، حتى يغطي وصفكم بوصفه، ونعتكم بنعته، فيُوصلكم بما منه إليكم، لا بما منكم إليه، فتدخلوا جنة المعارف، التي لا نهاية لفضاء شهودها، التي أعدت للمتقين السّوى، الذين يبذلون مهجهم وأموالهم في حال الجلال والجمال، (والكاظمين الغيظ) حيث ملكوا أنفسهم وأحوالهم، (والعافين عن الناس) لأن الصوفي ماله مباح ودمه هدر. وكان بعض الصوفية يقول: إذا أردتَ أن تعرفَ حال الفقير فأغضبه، وانظر إلى ما يخرج منه. وقال شيخ شيوخنا رضي الله عنه: قطب التصوف: لا تغضب ولا تُغضب. هـ.

ولعروة بن الزبير- رضي الله عنه:

لن يبلغَ المجدَ أقوامٌ وإنْ كَرُمُوا ... حتى يُذَلّوا وإن عَزّوا لأقوام

ويُشتَموا فتَرى الألوانَ مُشرِقةٌ، ... لا عَفْوَ ذُلَّ، ولكن عَفْوَ أحلام

وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الذين حازوا مقام الإحسان، فعبدوا الله بالشهود والعيان، فعم إحسانهم ذا الإساءة والإحسان والإنس والجان. قال الحسن البصري: (الإحسان: أن يعم إحسانه، ولا يكون كالشمس والريح والمطر) .

أي: يخص بلداً دون بلد. وقال سفيان الثوري: (ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، وإنما الإحسان أن تحسن إلى مَن أساء إليك. فإن الإحسان إلى المحسن متاجرة كنقد السوق، خذ مني وهَات) . وقال السري السقطي:

(الإحسان: أن تُحسن وقت الإمكان، فليس في كل وقت يمكنك الإحسان) ، وأنشدوا:

ليس في كلَّ ساعةٍ وأوان ... تَتَهَيَّأ صنائعُ الإحسان

فإذا أمْكَنَتْ فبادرْ إليها ... حذَراً من تعذّر الإمكان (?)

وقال الورتجبي: قوله: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ... الخ، علم الحق- سبحانه- عِلَلَ الخلق وميلهم إلى مُنى النفوس، فدعاهم بطاعته إلى العلتين: المغفرة والجنة، ودعا الخاصة إلى نفسه، فقال: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ، ثم أعْلَم أن الكل في درك امتحان الجرم، وأثبت بالآية ذنب الكل، لأنهم وإن كانوا معصومين من الزلل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015