في النار، أمرُّ من الصبر، وأنتن من الجيفه، وأشد حَرًّا من النار "، وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون منه ويذلّون، ويتضرعون إلى الله تعالى طلباف للخلاص منه. وقال أبو الدرداء والحسن: يقبح اللهُ وجوهَ أهل النار يوم القيامة، تشبيهاً بأعمالهم الخسيسة في الدنيا، وإنَّ الله تعالى يُرسل على أهل النار الجوع، حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون، فيُغاثون بالضريع، ثم يَستغيثون فيُغاثون بطعام ذي غُصّة، فيذكرون أنهم كانوا يحيزون الغصص في الدنيا بالماء، فيستسقون، فيعطشهم ألف سنة، ثم يسقون من غين آنية شديدة الحر، لا هنيئة ولا مريئة، فكلما أدنوه من وجوههم سلخ جلودَ وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطعها، قال تعالى: {فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} [محمد: 15] هـ. والعذاب ألوان، والمعذّبون طبقات؛ فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم آكلة الضريع.. فلا تناقض.

ولمَّا نزلت هذه الآية؛ قال المشركون: إنَّ إبلنا لتسمن من الضريع، فنزلت: {لا يُسمن ولا يُغني من جوع} أي: ليس مِن شأنه الإسمان والإشباع، كما هو شأن طعام أهل الدنيا، وأنما هو شيء يضطرون إلى أكله دفعاً لضرورتهم، والعياذ بالله من سخطه.

الإشارة: الغاشية هي الدنيا، غشيت القلوب بظلمات محبتها، ومودتها بحظوظها وشهواتها، وجوه فيها يومئذ خاشعة، بذُلّ طلبها، عاملة بالليل والنهار في تحصيلها، ناصبة في تدبير شؤونها، لا راحة لطالبها أبداً حتى يأخذ الموت بعُنقه، تصلى نار القطيعة والبُعد تُسقى من عين حر التدبير والاختيار، ليس لطُلابها طعام لقلوبهم وأرواحهم إلاّ من ضريع شبهاتها أو حُرماتها، لا يُسمن القلب عن هزال طلبها، بل كلما زاد منها شيئاً، زاد جوعه إليها، ولا يغني الروح من جوع منها.

يقول الحق جلّ جلاله في بيان حال أهل الجنة، بعد بيان حال أهل النار، ولم يعطفهم عليهم، بل أتى بالجملة استئنافية؛ إيذاناً بكمال تباين مضمونيهما، فقال: {وجوه يومئذٍ ناعمةٌ} أي: ذات بهجة وحُسن، كقوله تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) } [المطففين: 24] ، {لسعيها راضية} أي: لأجل سعيها في الدنيا هي راضية في الآخرة بما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015