أعالي الصدور، {وقيلَ مَن راقٍ} أي: قال مَن حضر المحتضر: مَن يرقيه وينجيه مما هو فيه من الموت؟ وهو من الرُقية، وقيل: هو من كلام ملائكة الموت، أي: أيكم يَرْقَى بروحه، ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ من الترقِّي. {وظنَّ أنه الفِراقُ} أي: تيقّن المحتضرُ أنَّ ما نزل به هو الفِراق من دار الدنيا ونعيمها التي كان يحبها {والتفَّتِ الساقُ بالساقِ} أي: التوت ساقاه بعضها على بعض عند موته. وعن سعيد بن المسيِّب: هما ساقاه حين تُلفّان في أكفانه، وقيل: شدّة فراق الدنيا بشدّة إقبال الآخرة، على أنَّ الساق مَثَلٌ في الشدة. وعن ابن عباس رضي الله عنه: هَمَّان: هَمٌّ الولد، وهَمُّ القدوم على الواحد الصمد. {إِلى ربك يومئذٍ المساقُ} أي: إلى الله وإلى حكمه يُساق، لا إلى غيره، إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار، وهو مصدر: ساقه مساقاً.

{فلا صدَّق} ما يجب به التصديق، من الرسول والقرآن الذي نزل عليه، أو: فلا صدّق ماله زكاه، {ولا صَلَّى} مافُرض عليه، والضمير فيها للإنسان المذكور في قوله: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3] ، أو: إلى المحتضر المفهوم من قوله: {إذا بلغت التراقي} ، وهو أقرب. {ولكن كذَّب} بما ذكر من الرسول والقرآن {وَتَولَّى} عن الإيمان والطاعة، {ثم ذهب إلى أهله يَتَمطَّى} ؛ يبختر بذلك، وأصله: يتمطط، أي: يتمدّد؛ لأنّ المتبختر يَمُدُّ خطاه، فأبدلت الطاءُ ياءً؛ لاجتماع ثلاثة أحرف متماثلة، قال في النهاية: مِشْيةٌ مُطيْطاء، بالقصر والمد، أي: فيها تَبخْتُرن ويقال: مَطَوْتُ ومَطَطْتُ بمعنى مدَدْتُ، وهي من المُصَغَّراتٍ التي لم يُستعمل لها مُكَبَّرٌ. هـ. أو: من المطا، وهو الظَّهْر فإنه يلويه.

{

أَوْلَى لك فأَوْلَى} أي: ويل لك، وأصله: أولاك الله ما تكره، واللام مزيدة، كما في قوله: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] أو: أولى الهلاك لك فأولى، وقيل: هو مقلوب من الويل، وقيل: أولى بالعذاب وأحق به، وقيل: من الوَلى، وهو القرب، أي: قاربه ما يهلكه. {ثم أَوْلَى لك فأَوْلَى} ، كرر للتأكيد، كأنه قيل: ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك، وقيل: التكرير فيه، لأنه أراد بالأول: الهلاك الدنيوي وفي القبر والبرزخ، ثم في القيامة، ثم في النار. {أيَحْسَبُ الإِنسانُ أن يُترك سُدىً} ؛ أيظن الكافرُ أن يُترك مُهْمَلاً، لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يُبعث ولا يُجازَى، {ألم يكُ نطفة مِن مَنِيٍّ تُمنى} ؟ أي: تُراق في الأرحام، {ثم كان علقةً} أي: صار المَنِي قطعة دم جامد، بعد أربعين يوماً {فخَلَقَ فسَوّى} أي: فخلق الله منها بشراً سويًّا؟ {فجعل منه} ؛ من الإنسان، أو: من المَنِي {الزوجين} ؛ الصنفين {الذكرَ والأُنثى} لحكمه بقاء النسل، {أليس ذلك بقادرٍ على أن يُحيي الموتى} وهو أهون من البدء في قياس العقول؟ كان عليه السلام إذا قرأها يقول: " سبحانك! بلى ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015