سورة الأنبياء

مكية. وهى مائة واثنتا عشرة آية. ومناسبتها لما قبلها: قوله تعالى: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ «1» لأن علم ذلك إنما يظهر، حقيقة، يوم الحساب الذي صدّر به السورة، فقال تعالى:

[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 2]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (?) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (?)

قلت: (وَهُمْ) : مبتدأ، و (فِي غَفْلَةٍ) : خبر، و (مُعْرِضُونَ) : خبر بعد خبر، والجملة: حال من الناس. و (مِنْ ذِكْرٍ) :

فاعل بيأتي. و (مِنْ) : صلة، و (مِنْ رَبِّهِمْ) : صفة لذكر، أي: حاصل من ربهم، أو متعلق بيأتيهم، أو صفة لذكر، وجملة (اسْتَمَعُوهُ) : حال من مفعول «يَأْتِيهِمْ» ، بإضمار (قد) أو بدونه، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال. و (هُمْ يَلْعَبُونَ) : حال أيضًا من فاعل «اسْتَمَعُوهُ» ، و (لاهِيَةً) : حال من واو «يَلْعَبُونَ» ، و (قُلُوبُهُمْ) : فاعل بلاهية.

يقول الحق جلّ جلاله: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ أي: قَرُبَ قيام الساعة التي هي محل حسابهم. قال ابن عباس: «المراد بالناس: المشركون» وهو الذي يُفصح عنه ما بعده، ولم يقل تعالى: «اقترب حساب الناس» ، بل قدّم لام الجر على الفاعل للمسارعة إلى إدخال الروعة، فإن نسبة الاقتراب إليهم من أول الأمر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجًا، كما أن تقديم اللام في قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «2» لتعجيل المسرة لأن كون الخلق لأجل المخاطبين مما يسرهم ويزيدهم رغبة وشوقًا إليه تعالى.

وفي إسناد الاقتراب إلى الحساب المنبئ عن التوجه نحوهم، مع صحة إسناد الاقتراب إليهم بأن يتوجهوا نحوه، من تفخيم شأنه، وتهويل أمره، مالا يخفى، لِمَا فيه من تصويره بشيء مقبل عليهم، لا يزال يطلبهم حتى يصيبهم لا محالة. ومعنى اقترابه: دنوه منهم شيئًا فشيئًا حتى يلحقهم لأن كل آت قريب، أي: دنا حساب أعمالهم السيئة الموجبة للعقاب.

وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ تامة منه، ساهون بالمرة عنه، غير ذاكرين له، لا أنهم غير مبالين به، مع اعترافهم بإتيانه، بل هم منكرون له، كافرون به، مُعْرِضُونَ عن الآيات والنُذر المنبهة لهم عن سِنة الغفلة. ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015