قال المحشي الفاسي: وحاصل ما أشار إليه: أن قراءة التخفيف تشير إلى أخذهم عن الوقوف مع الوعد، والسكون إليه، غيبةً في الحق عن مقتضى وعده، لا تكذيباً لوعده، بل ذلك احوالٌ غالبة آخذة عن الصفة، غيبةً في الموصوف. وهذا حال الصوفي كما يعرف ذلك أهله. وهو صحيح في نفسه ولكنه بعيد عن مرمى الآية فإن صاحب الغيبة لا يوصف بظن خلاف الوعد، وإن كان غائباً عنه. وأقرب منه ما ذكره الترمذي الحكيم: من أن ظن ذلك كان لظن فقد شرط في الموعود أوجب عدَم القطع لوقوع الوعد. والله أعلم.

وقد قال في الحِكم: «لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه» . يعني أنه قد يتخلف لفقد شرط كما في قضية الجرْو الذي تخلف جبريل من أجله. أو لعدم تحقيق الوقت لأن تعيينه كان من قبل أنفسهم من غير وحي، فلما تأخر ظنوا ذلك بأنفسهم. والله تعالى أعلم. هـ.

والحاصل: أن الرسل- عليهم الصلاة والسلام- لما تأخر عنهم النصر هجس في أنفسهم تخلف الوعد خوفاً أن يكون متوقفاً على شرط لم يعلموه، أو جعلوا له وقتاً فهموه من أمارات، فلما تأخر عنه ظنوا أنه قد تخلف. وأما قضية الجرو الذي أشار إليها: فكان جبريل عليه السلام وعد نبينا صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيه في وقت مخصوص، فدخل جرو البيت، فلم ينزل في ذلك الوقت، فلما نزل بعد ذلك، قال: «إنما تَخلَّفْنَا عن الوقت لأَنَّ الملائكة لا تَدخلُ بَيْتاً فيه كَلْبٌ» «1» . كما في الصحيح.

ثم قال تعالى:

[سورة يوسف (12) : آية 111]

لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

يقول الحق جلّ جلاله: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ أي: في قصص الأنبياء وأممهم، أو في قصة يوسف وإخوته، عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ: لذوي العقول الصافية الخالصة من شوائب الإلف والعادة، ومن الركون إلى الحس لأن الإخبار بهم على يد نبي أمي آية واضحة لمن تفكر بقلب خالص. ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى أي: ما كان القرآن حديثاً مُفترىً، وَلكِنْ كان تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب الإلهية، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه في الدارين إذ ما من أمر ديني إلا وله مستند من القرآن بوسط، أو بغير وسط. وَهُدىً من الضلال، وَرَحْمَةً ينال بها خير الدارين، لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: يصدقون به، ويتدبرون في معانيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015