قال في نوادر الأصول: الداعي إلى الله على بصيرة- أي معاينة- هو الذي قلبه عند الله، وعلى بصيرة في الطريق، ومحل القلوب في تلك المراتب ناطقاً بالله، عن الله، فلذلك يلج آذان المستمعين، مع الكسوة التي تخرق كل حجاب، وهو نور الله، لأنه خرج من قلب مشحون بالنور، فخرق كل حجاب قد تراكم على قلوب المخلصين، فخلصها إلى نور التوحيد فأنارها بمنزلة جمرة وصلت النفخة إليها، فالتهبت ناراً، فاضاءت البيت. وهذا سبيل الناطق عن الله. ثم قال: وكيف يجوز الدعاء إلى الله لمن ليس عند الله، وهو لله، وإنما قلبه عند نفسه ولنفسه، مشغول بنهمته وشهواته وأحواله، وإنما هذا لمن تفرغ من نفسه، واشتغل بالله. هـ.

ثم ردّ على مَن زعم من الكفار أن الرسول من البشر، فقال:

[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 110]

وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)

قلت: (يوحى) : نعت لرجال، وكذا (من أهل القرى) : نعت ثان، و (حتى) : غاية لمحذوف، أي: وما أرسلنا إلا رجلاً يوحى إليهم فأوذوا مثلك، ودام عليهم، حتى إذا استيأسوا جاءهم نصرنا.

يقول الحق جلّ جلاله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا محمد إِلَّا رِجالًا بشراً لا ملائكة، وهو رد لقولهم: لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً «1» ، وقيل: معناه: نفي استنباء النساء. وصفة أولئك الرجال: يوحَى إليهم «2» كما أوحي إليك، فتميزوا بالوحي عن غيرهم، وهم مِنْ أَهْلِ الْقُرى. وهم المدن والأمصار، والمداشر «3» الكبار لأنهم أحلم وأعلم، بخلاف أهل العمود فإنهم أهل جفاء وجهالة. قال الحسن: (لم يبعث الله نبياً من أهل البادية، ولا من النساء، ولا من الجن) .

قال ابن عطية: والتَّبَدِّي مكروه إلا في الفتن، وحين يُفَرُّ بالدين، لحديث: «يُوشِكُ أن يَكونَ خَيْرُ مَالِ المُسْلِم غَنما يَتْبَعُ بها سَعَفَ الجِبَالِ ... «4» » الحديث. وفي ذلك أذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسلمة بن الأكوع «5» . هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015