: نسوق لهم الميرة- وهو: الطعام حين نرجع إلى الملك، وَنَحْفَظُ أَخانا من المكاره في ذهابنا وإيابنا.. وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ بزيادة حِمل بعير أخينا، إذ كان يوسف عليه السلام لا يعطي إلا كيل بعير لكل واحد.

ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أي: ذلك الطعام الذي أتينا به شيء قليل لا يكفينا حتى نرجع ويزيدنا كيل أخينا. أوْ ذلك الحِمل الذي يزيدنا لبعير أخينا- كيل قليل عنده، يسهل عليه لا يتعاظمه، فلا يمنعنا منه. كأنهم اسْتَقَلَّوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك، ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم. وقيل: إنه من كلام يعقوب عليه السلام، والمعنى: أن حمل بعير شيء قليل لا يخاطرَ لمثله بالولد.

قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ لأني رأيت منكم ما رأيت، حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ حتى تعطوني ما أثق به من عهد الله، وتحلفوا ليَ الأيمان الموثقة لَتَأْتُنَّنِي بِهِ في كل حال، إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ إلا أن تغلبوا، ولا تطيقوا الإتيان به. أو: إلا أن تهلكوا جميعاً ويحيط الموت بكم فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ عهدهم وحلفوا له، قالَ أبوهم: اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من طلب الموثق وإتيان الولد وَكِيلٌ أي: مطلع رقيب، لا يغيب عنه شيء.

ثم وصاهم وَقالَ لهم: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. وكانت في ذلك العهد خمساً: باب الشام، وباب المغرب، وباب اليمن، وباب الروم، وباب طَيْلون. فقال لهم: ليدخل كل أخوين من باب، خاف عليهم العين لأنهم أهل جمال وأُبَّهة، مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة فإذا دخلوا كبكبة واحدة أصابتهم العين. ولعله لم يوصهم بذلك في المرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذٍ، وللنفس آثار من العين، وقد قال عليه الصلاة والسّلام: «العَينُ حَقٌّ، تُدخِل الرَّجُلَ القَبرَ والجَمَلَ القِدرَ» (?) .

وكان عليه الصلاة والسّلام يتعوذ منها، بقوله: «اللهم إنِّي أَعُوذ بك مِن كَلِّ نَفسٍ هَامَّةٍ، وعَينٍ لامّة» (?) . ويؤخذ من الآية والحديث: التحصن منها قياماً برسم الحكمة. والأمر كله بيد الله. ولذلك قال يعقوب عليه السلام: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ مما قُضي عليكم بما أشرت به عليكم، والمعنى: أن ذلك لا يدفع من قدر الله شيئاً، فإن الحذر لا يمنع القدر، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فما حكم به عليكم لا ترده حيلة، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أي: ما وثقت إلا به، ولا ينبغي أن يثق أحد إلا به. وإنما كرر حرف الجر زيادة في الاختصاص ترغيباً في التوكل على الله والتوثق به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015