يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن، فَمِنْهُمْ فمن المنافقين مَنْ يَقُولُ إنكاراً واستهزاءً: أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً، كما يزعم أصحاب محمد: ان القرآن يزيدهم إيماناً، فلا زيادة فيه، ولا دليل أنه من عند الله. قال تعالى في الرد عليهم: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً لتنوير قلوبهم، وصفاء سرائرهم، فتزيدهم إيماناً وعلماً لما فيها من الإنذار والإخبار، ولانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم، وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بنزولها لأنها سبب لزيادة إيمانهم، وارتفاع درجاتهم، بخلاف قلوب المنافقين فلظلمانيتها وخوضها لم تزدهم إلا خوضاً، كما قال تعالى:

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كفر وشك، فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ أي: كفراً بها، مضموماً إلى الكفر بغيرها، الذي كان حاصلاً فيهم، وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ أي: وتحكم ذلك في قلوبهم حتى ماتوا عليه.

أَوَلا يَرَوْنَ أي: المنافقون، أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ أي: يُبتلون ويُختبرون بأصناف البليات، كالأمراض والجوع، أو بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فيعاينون ما يظهر عليه من الآيات، أو يفضحون بكشف سرائرهم. يفعل ذلك بهم فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ لا يَتُوبُونَ: لا ينتهون من نفاقهم وكفرهم، وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ يعتبرون.

وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، يريدون الهرب، يقولون: هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ إذا قمتم، فإن لم يرهم أحد قاموا وانصرفوا. قال البيضاوي: تغامزوا بالعيوب، إنكاراً لها وسخرية، أو غيظاً لما فيها من عيوبهم. هـ. قال ابن عطية: المعنى: إذا ما أُنزلت سورة فيها فضيحتهم، نظر بعضهم إلى بعض على جهة التقرير، يُفْهم من تلك النظرة: التقرير: هل معكم من ينقل عنكم؟ هل يراكم من أحد حين تدبرون أمركم؟ وقوله:

ثُمَّ انْصَرَفُوا أي: عن طريق الاهتداء، وذلك أنهم حينما بيَّن لهم كشف أسرارهم، يقع لهم- لا محالة- تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة لهم، فهم، إذ يصممون على الكفر، ويرتكبون فيه، كأنهم انصرفوا عن تلك الحال، التي كانت مظنة النظر الصحيح والاهتداء. هـ.

والتحقيق: أن معنى انْصَرَفُوا: قاموا عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلّم مخالفة الفضيحة. صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الإيمان دعاء عليهم، أو إخبار، فيستوجبون ذلك بِأَنَّهُمْ بسبب أنهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يفهمون عن الله ولا عن رسوله- عليه الصلاة والسلام-، أو لا يفقهون سوء فهمهم أو عدم تدبرهم.

الإشارة: زيادة الإيمان عند سماع القرآن يكون على حسب التصفية والتطهير من الأغيار، فبقدر ما يصفو القلب من الأغيار يكشف له عن أسرار القرآن. قال بعضهم: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة، فجاهدت نفسي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015