أي: لأنه محل مناجاته، ومعدن معرفته، وخزانة سره، فليس للشيطان عليه من سبيل. قال تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ «1» . وأما النفس فإنها مملوكة تباع وتشترى. هـ.

ثم بيّن أوصاف البائعين، فقال:

[سورة التوبة (9) : آية 112]

التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)

قلت: (التائبون) : خبر، أي: هم التائبون، أو مبتدأ حُذف خبره، أي: التائبون في الجنة وإن لم يجاهدوا، لقوله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى «2» ، أو خبره ما بعده، أي: التائبون عن الكفر، على الحقيقة، هم الجامعون لهذه الخصال.

يقول الحق جلّ جلاله، في وصف البائعين أنفسهم وأموالهم: هم التَّائِبُونَ عن الكفر والمعاصي والهفوات والغفلات، الْعابِدُونَ لله، مخلصين له الدين، الْحامِدُونَ الله في السراء والضراء وعلى كل حال، السَّائِحُونَ أي: الصائمون، لقوله عليه الصلاة والسلام: «سِيَاحَةُ أُمتي الصوم» «3» ، شبه بها من حيث إنه يعوق عن الشهوات، أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على خفايا الملكوت والجبروت. أو السائحون للجهاد، أو لطلب لعلم، أو لزيارة المشايخ والإخوان.

الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ في الصلاة، الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ أي: بكل ما هو معروف محمود، كالإيمان والطاعة، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي: كل ما هو منكر في الشرع، كالكفر والمعاصي، وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ أي: لكل ما حده الشارع وعينه من الحقائق والشرائع. قال البيضاوي: وعطف قوله: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ دون ما قبله للدلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة، كأنه قال: الجامعون بين الوصفين، وعطف أيضاً قوله: وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل، وهذا مجملها، وقيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015