ومن شروط المدعوّ فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب، والفعلِ

شرعًا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم"، فيدخل في الإثم كل

ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في قطيعة الرحم جميع حقوق المسلمين،

ومظالمهم.

وقد بيّنّا أن الرَّحِم ضربان: رحم الإسلام، ورحم القرابة.

قال: و"يستحسر"؛ يعني: وَيمَلّ، يقال: حَسَر البعيرُ يَحْسِرُ، وَيحْسَر (?)

حُسورًا: أعيا. واستحسر، وتحسّر مثله، وفائدة هذا: استدامة الدعاء، وترك

اليأس من الإجابة، ودوام رجائهما، واستدامة الإلحاح في الدعاء، فإنَّ الله

يحبّ الملحّين عليه في الدعاء، وكيف لا؟ والدعاء مخّ العبادة، وخلاصة

العبودية، والقائل: قد دعوت، فلم أر يستجاب لي، وَيترك قانطٌ من رحمة الله،

وفي صورة الممتنّ بدعائه على ربه، ثم إنه جاهل بالإجابة، فإنَّه يظنها إسعافه

في عين ما طلب، فقد يعلم الله تعالى أن في عين ما طلب مفسدة، فيصرفه

عنها، فتكون إجابته في الصرف، وقد يعلم الله أن تأخيره إلى وقت آخر أصلح

للداعي، وقد يؤخره لأنه سبحانه يحبّ استماع دعائه، ودوام تضرّعه، فتكثر

أجوره حتى يكون ذلك أعظم، وأفضل من عين المدعوّ به لو قُضي له، وقد

قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له،

وإما أن يدّخر له، وإما أن يكفّر عنه".

ثم بعد هذا كله فإجابة الدعاء، وإن وردت في مواضع من الشرع

مطلقة فهي مقيّدة بمشيئته، كما قال تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}

[الأنعام: 41].انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (?)، وهو تحقيق مفيدٌ جدًّا، والله تعالى

أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015