والله أعلم. انتهى ما في "الفتح" (?)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة) (?): في بيان غرض الجهاد:

(اعلم): أنه لم يُشرع الجهاد إلا لإعلاء كلمة الله عز وجل، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة: 33]؛ أي: ليُعلي الدين الإسلاميّ على الأديان كلها، فالهدف من تشريع الجهاد هو إعزاز الإسلام، وإعلاء كلمة الله، وكسر شوكة الكفار وأهل الظلم.

وقد تفوّه اليهود والنصارى من أهل الغرب، وأثاروا الشغب في القرن الماضي ضدّ أحكام الجهاد بأنه طريق لإكراه الناس على قبول الإسلام، وأن المسلمين قد نشروا دينهم بالسيف والسلاح، دون الحجة والبرهان، ومن أجل ذلك هجموا على بلاد الكفّار؛ ليكرهوهم بالسيف على قبول دينهم، ولم تكن عندهم دعوة للإسلام إلا بالسيف والقتال، وكلّ هذا جهل، أو تجاهل عن حقيقة الجهاد الشرعيّ، وعلاقته بالدعوة الإسلاميّة.

والواقع أن الجهاد لم يشرع لإكراه الناس على قبول الإسلام، ولكنه إنما شُرع لإقامة حكم الله في الأرض، ولكسر شوكة الكفّار التي لم تزل في التاريخ أقوى سبب لشيوع الظلم، والفتنة، والفساد، وأكبر مانع عن قبول الحقّ، والإصغاء إلى الدعوة الإسلاميّة، ولو كان الجهاد هدفه إكراه الناس على الدين لَمَا شُرعت الجزية لإنهاء الحرب، وإن مشروعيّة الجزية من أوضح الدلائل على أنه ليس إكراهًا على قبول الدين، ولم يُرو في شيء من حروب الجهاد على كثرتها عبر التاريخ أن أحدًا من الكفّار أُكره على قبول الإسلام بعدما افتتح المسلمون بلدًا من البلاد، وإنما تُرك الكفّار وما يدينون بكلّ رحابة صدر، ثم جاءت الدعوة الإسلاميّة مصحوبة بالحجة والبرهان، وبالسير الفاضلة، والأخلاق الكريمة، والأعمال الجاذبة، فتسارع الكفّار إلى الإسلام بعد اقتناعهم بحقيّته، واستيقانهم بحسن تعاليمه، دون أن يُكرههم أحد على ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015