لَيْسَ بِحُكْمٍ فَكَذَا تَصَرُّفُ نَائِبِهِ اهـ.

وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ كَالْقَاضِي فِعْلُهُ حُكْمٌ وَفِي قَضَاءِ الْمُلْتَقَطِ إذَا قَالَ الْقَاضِي جَعَلْتُك وَكِيلًا فِي تَرِكَةِ فُلَانٍ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ جَعَلْتُك وَصِيًّا فَهُوَ وَصِيٌّ عَامٌّ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ عَبْدَهُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَسَمَةٌ فَتَعْتِقُ عَنْهُ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا وَهُوَ الثُّلُثُ ثُمَّ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْبٍ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ وَيُقَالُ لَهُ بِعْ الْعَبْدَ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ يَعْتِقُ عَنْهُ لَا عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الْبَاقِي وَلَمْ يَشْتَرِ بِثَمَنِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا وَيَشْتَرِي بِهَذَا الثَّمَنِ نَسَمَةً فَتَعْتِقُ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا أَمَرَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ الْوَصِيِّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُوصِ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ إنَّمَا أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ لِغَيْرِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالضَّرْبِ فَافْعَلْهُ وَسِعَك فِعْلُهُ) ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ بِالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَتَصْدِيقُهُ طَاعَةٌ لَهُ قَيَّدَ بِعَدَالَتِهِ وَعِلْمِهِ لِتَنْتَفِي عَنْهُ التُّهْمَةُ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يَسْتَفْسِرُ فَإِنْ أَحْسَنَ الشَّرَائِطَ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَإِلَّا لَا وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ أَوْ الْخِيَانَةِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيِّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَفِي الْعِنَايَةِ لَا سِيَّمَا قُضَاةُ زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ بِالرِّشَا فَأَحْكَامُهُمْ بَاطِلَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ الْقَاضِي وَالْعَدْلُ عَلَى شَهَادَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِسَبَبِ الْحَدِّ لَا حُكْمِ الْقَاضِي وَإِلَّا كَانَ الْقَاضِي شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ مِنْ هَذَا الْكُلِّيِّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِضَرُورَةِ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي مِثْلِهِ قَلَّمَا تَقَعُ. اهـ.

فَظَاهِرُ الِاقْتِصَارِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا عَدَاهُ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا أَوْ ضَرْبًا كَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَوْ قَالَ قَضَيْت بِطَلَاقِهَا أَوْ بِعِتْقِهِ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إقْرَارٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا لَمَّا رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ لَمْ يُجِزْهُ الْمَشَايِخُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ أَوْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَقَدْ اسْتَبْعَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا فِي الْعَادَةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى كِتَابَ الْقَاضِي كَمَا قَدْ عَلِمْت وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي زِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أُخَرَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَمَّا الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ الْعَدْلِ أَمَّا مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهِمَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِمَادِ إنَّمَا عُلِّلَ بِالْفَسَادِ وَالْغَلَطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَالِمِ الْعَدْلِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَاضِي الْعَالِمِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ هَذَا لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ وَلَا يُؤْتَمَرُ بِأَمْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.

فَمَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ كَشَفَ عَنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ فَلِهَذَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي التَّهْذِيبِ وَيُصَدَّقُ الْقَاضِي فِيمَا قَالَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْغَائِبِينَ مِنْ أَدَاءً وَقَبْضٍ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي أَنَّك حَكَمْت عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ فِي غَيْرِ كِتَابِ الْقَاضِي لِمَعْنًى ظَاهِرٍ فِي أَكْثَرِ قُضَاةِ الزَّمَانِ أَصْلَحَ اللَّهُ شَأْنَهُمْ وَرَأَيْت فِي عُيُونِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْإِمَامَةِ ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا أَبَاحَهُ الدِّينُ وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْعَامَّةِ كَعِمَارَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعِيدَ وَكَلَّفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَكَذَا وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ هَارُونَ أَمَرَهُمَا أَنْ يُكَبِّرَا تَكْبِيرَ جَدِّهِ فَفَعَلَا ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ إذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ بِشَيْءٍ فَعَصَاهُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَالْأَمِيرُ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَلَكِنْ يَنْصَحُهُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ عَصَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَدَّبَهُ إلَّا إذَا بَيَّنَ فِي ذَلِكَ عُذْرًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَلَكِنْ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ فَعَلْت هَذَا بِعُذْرٍ اهـ.

وَقَدْ أَخَذَ الْبِيرِيُّ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ أَهْلَ بَلْدَةٍ بِصِيَامِ أَيَّامٍ بِسَبَبِ الْغَلَاءِ أَوْ الْوَبَاءِ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِقًا) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ إلَّا وَالْمَعْنَى وَإِلَّا يُحْسِنْ الشَّرَائِطَ أَوْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ (قَوْلُهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا) أَيْ بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ (قَوْلُهُ لَمَّا رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) الصَّوَابُ إبْدَالُ عَنْ بِإِلَى كَمَا لَا يَخْفَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015