لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ أَطْلَقَ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ، وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَشَارَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَفِي الْمَبْسُوطِ تَابُوا وَفِيهِمْ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ فَدَاهُ كَمَا فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَبْقَى حُكْمُ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا عَمْدًا لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ الْخَامِسَةُ لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إنْ قَتَلَ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِمُثْقَلٍ عِنْدَهُمَا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ أَوْ اُسْتُهْلِكَ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَقَدَّمْنَا الْمُفْتَى بِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) أَيْ مِرَارًا كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَالْخَنْقُ عَصْرُ الْحَلْقِ قَيَّدَ بِتَعَدُّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا قَتْلَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَ التَّكْرَارِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَمِنْهَا مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ جَالِسًا مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَحُكِيَ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ بَلْخٍ فَأُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَنْكَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعِصَامٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَقَالَ الْأَمِيرُ هَاتُوا بِالسَّوْطِ فَمَا ضُرِبَ عَشْرَةً حَتَّى أَقَرَّ وَأَحْضَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ عِصَامٌ مَا رَأَيْت جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا. اهـ.

وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةٍ كَانَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى السَّارِقِ الْيَمِينُ، وَالضَّرْبُ خِلَافُ الشَّرْعِ فَلَا يُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فَتْوَى الْمُفْتِي يَجِبُ أَنْ يُطَابِقَ الشَّرْعَ لِصٌّ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ وَجَدَهُ رَجُلٌ يَذْهَبُ فِي حَاجَتِهِ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالسَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلزَّجْرِ لِتَوْبَتِهِ مَشْرُوعٌ رَجُلٌ اسْتَقْبَلَهُ اللُّصُوصُ وَمَعَهُ مَالٌ لَا يُسَاوِي عَشْرَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ اللِّصُّ إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مَا دَامَ الْمَتَاعُ مَعَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» ، فَإِنْ رَمَى بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَطَلَبَ مِنْ السُّلْطَانِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَضَرَبَهُ السُّلْطَانُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى السِّجْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذِّبَهُ فَخَافَ الْمَحْبُوسُ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَالضَّرْبِ فَصَعِدَ السَّطْحَ لِيَفِرَّ فَسَقَطَ مِنْ السَّطْحِ وَمَاتَ، وَقَدْ لَحِقَهُ غَرَامَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا صَاحِبَ السَّرِقَةِ بِدِيَةِ أَبِيهِمْ وَبِالْغَرَامَةِ الَّتِي أَدَّاهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حَصَلَ بِتَسْبِيبِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَيْ مِرَارًا) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ أَرَادَ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015