لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا اهـ.

وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ جَعَلَهَا لَغْوًا وَعَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ لَا تَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ لَا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا بِالْأَوْلَى فَلَا مُخَالَفَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَفْسِيرَنَا اللَّغْوَ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: اللَّغْوُ مَا يَكُونُ خَالِيًا عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ شَرْعًا وَوَضْعًا فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ إظْهَارُ الصِّدْقِ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنْ أُضِيفَ إلَى خَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ الصِّدْقِ كَانَ خَالِيًا عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَكَانَ لَغْوًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنَّ مَا قُلْنَاهُ أَحَقُّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] الْآيَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَ الْمُشْرِكِينَ التَّعَنُّتُ أَيْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْمُغَالَبَةِ بِالْحُجَّةِ فَاشْتَغِلُوا بِمَا هُوَ خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ مِنْ الْكَلَامِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُكُمْ بِطَرِيقِ الْمُغَالَبَةِ دُونَ الْمُحَاجَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ التَّكَلُّمَ بِغَيْرِ قَصْدٍ قَالَ صَاحِبُ التَّقْوِيمِ: وَلَمْ يُرِدْ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِهِ لَا يَسْتَقِيمُ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ اللَّغْوَ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ وَلَا حَسَنٍ فَإِنَّ اللَّغْوَ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الْفَاحِشِ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: 62] أَيْ كَلَامًا قَبِيحًا فَاللَّغْوُ هُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ الْفَاحِشُ وَالْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ فَاحِشٍ فَلَا يَكُونُ لَغْوًا فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَلَامٌ قَبِيحٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَاللَّغْوُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ، وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا فُلَانٌ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فُلَانٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَثِمَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ) أَيْ أَثِمَ إثْمًا عَظِيمًا كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى وَهِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ دُونَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ يَمِينُ اللَّغْوِ وَالْإِثْمُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَقَدْ سُمِّيَ الْخَمْرُ إثْمًا، وَفِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لُزُومُ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ فِي بَحْثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَإِنَّمَا أَثِمَ فِي الْأُولَى لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .

وَالْمُرَادُ بِالْمَصْبُورَةِ الْمُلْزِمَةُ بِالْقَضَاءِ أَيْ الْمَحْبُوسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، أَوْ لَا وَقَدْ صُرِّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ كَبِيرَةٌ وَهُوَ أَعَمُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً إذَا اقْتَطَعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، أَوْ أَذَاهُ وَتَكُونُ صَغِيرَةً إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْثَمْ فِي الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَلِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْإِثْمِ فِي اللَّغْوِ لَكِنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ فَقَالَ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ يَمِينٌ مُكَفِّرَةٌ وَيَمِينٌ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ وَيَمِينٌ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى صَاحِبَهَا فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُعَلِّقُهُ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَفِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اللَّغْوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ لَغْوٌ وَعِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ وَلَهَا الْكَفَّارَةُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْبَدَائِعِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ التَّنَاقُضُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مَشْرُوطٌ فِيهِ الْقَصْدُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ عَدَمُ الْقَصْدِ. (قَوْلُهُ: مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ) ظَاهِرُهُ الْوُقُوعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مُنَافٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ، وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ عَلَيْهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ صَرِيحٌ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ مُعْتَرِفٌ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَلِذَا اسْتَدْرَكَ بِهِ عَلَى الْفَتْحِ وَمُرَادُهُ الْبَحْثُ فِي تَقْيِيدِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ مَفْسَدَةٌ تَسْتَدْعِي كَوْنَهَا كَبِيرَةً، وَكَوْنُ كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا فِيمَا قَالَهُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015