وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ قَدْ لَزِمَهُ اسْمُ الْمَعْصِيَةِ , وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنْ بَعْضٍ وَفَسَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ , حِينَ قَالَ: «عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ» ثُمَّ قَرَأَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا الشِّرْكُ وَالزُّورُ , وَإِنَّمَا تَسَاوَيَا فِي النَّهْيِ , نَهَى اللَّهُ عَنْهُمَا مَعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ , فَهُمَا فِي النَّهْيِ مُتَسَاوِيَانِ , وَفِي الْأَوْزَارِ وَالْمَأْثَمِ مُتَفَاوِتَانِ , وَمِنْ هُنَا وَجَدْنَا الْجَرَائِمَ كُلَّهَا , أَلَا تَرَى السَّارِقَ يُقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا , وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعٌ؟ فَقَدْ يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا سَارِقٌ كَهَذَا , فَيَجْمَعْهُمَا فِي الِاسْمِ , وَفِي رِكُوبِهِمَا الْمَعْصِيَةِ , وَيَفْتَرِقَانِ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى قَدْرِ الزِّيَادَةِ فِي الذَّنْبِ , وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَزْنِيَانِ , فَيُقَالُ: هُمَا لِلَّهِ عَاصِيَانِ مَعًا , وَأَحَدُهُمَا أَعْظَمُ ذَنْبًا وَأَجَلُّ عُقُوبَةً مِنَ الْآخَرِ , وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» , إِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي الْمَعْصِيَةِ حِينَ رَكِبَاهَا , ثُمَّ يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا بِقَدْرِ ذَنْبِهِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «حُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ» وَعَلَى هَذَا وَمَا أَشْبَهَ أَيْضًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَتَبْنَا هَذَا الْكِتَابَ عَلَى مَبْلَغِ عِلْمِنَا , وَمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَآثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ , وَمَا عَلَيْهِ لُغَاتُ الْعَرَبِ وَمَذَاهِبُهَا , وَعَلَى اللَّهِ التَّوَكُّلُ , وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015