فَطَائَفِةٌ تَذْهَبُ إِلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ، وَثَانِيةٌ تَحْمِلُهَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّرْهِيبِ، وَثَالِثَةٌ تَجْعَلَهَا كُفْرَ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَرَابِعَةٌ تُذْهِبُهَا كُلَّهَا , وَتَرُدُّهَا فَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَنَا مَرْدُودَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ , لِمَا يَدْخُلُهَا مِنَ الْخَلَلِ وَالْفَسَادِ، وَالَّذِي يَرُدُّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ مَا نَعْرِفُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلُغَاتِهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كُفْرَانَ النِّعَمِ إِلَّا بِالْجَحْدِ لِأَنْعَامِ اللَّهِ وَآلَائِهِ , وَهُوَ كَالْمُخْبِرِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُدْمِ , وَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ الثَّرْوَةَ , أَوْ بِالْسَقَمِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالسَّلَامَةِ، وَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنْ كِتْمَانِ الْمَحَاسِنِ وَنَشْرِ الْمَصَائِبِ فَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ كُفْرَانًا , إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ , أَوْ كَانَ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ , إِذَا تَنَاكَرُوا اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ وَتَجَاحَدُوهُ يُنَبِّئُكَ عَنْ ذَلِكَ مَقَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: «إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ , وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» يَعْنِي: الزَّوْجَ وَذَلِكَ أَنْ تَغْضَبَ إِحْدَاكُنَّ , فَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " فَهَذَا مَا فِي كُفْرِ النِّعْمَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: الْمَحْمُولُ عَلَى التَّغْلِيظِ , فَمِنْ أَفْظَعِ مَا تُئُوِّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنْ جَعَلُوا الْخَبَرَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ دِينِهِ وَعِيدًا , لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَهَذَا يَؤُولُ إِلَى إِبْطَالِ الْعِقَابِ , لِأَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا , كَانَ مُمْكِنًا فِي الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا الثَّالِثُ: الَّذِي بَلَغَ كُفْرَ الرِّدَّةِ نَفْسِهَا فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ , لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ بِالتَّأْوِيلِ , فَكَفَّرُوا النَّاسَ بِصِغَارِ الذُّنُوبِ وَكِبَارِهَا , وَقَدْ عَلِمْتَ مَا وَصَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُرُوقِ , وَمَا أَذِنَ فِيهِمْ مِنْ سَفْكِ دِمَائِهِمْ، ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُكَذِّبُ مَقَالَتَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015