فَصَارَتِ الْخَمْسُ كُلُّهَا هِيَ الْمِلَّةُ الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ سِلْمًا مَفْرُوضًا فَوَجَدْنَا أَعْمَالَ الْبِرِّ , وَصِنَاعَاتِ الْأَيْدِي , وَدُخُولِ الْمَسَاكِنِ كُلَّهَا تَشْهَدُ عَلَى اجْتِمَاعِ الِاسْمِ , وَتَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ فِيهَا , هَذَا فِي التَّشْبِيهِ وَالنَّظَرِ , مَعَ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهَكَذَا الْإِيمَانُ هُوَ دَرَجَاتٌ وَمَنَازِلٌ , وَإِنْ كَانَ سَمَّى أَهْلَهُ اسْمًا وَاحِدًا , وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالٍ تَعَبَّدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ , وَفَرَضَهُ عَلَى جَوَارِحِهِمْ , وَجَعَلَ أَصْلَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ , ثُمَّ جَعَلَ الْمَنْطِقَ شَاهِدًا عَلَيْهِ , ثُمَّ الْأَعْمَالَ مُصَدِّقَةً لَهُ , وَإِنَّمَا أَعْطَى اللَّهُ كُلَّ جَارِحَةٍ عَمَلًا لَمْ يُعْطِهِ الْأُخْرَى , فَعَمَلُ الْقَلْبِ: الِاعْتِقَادُ , وَعَمَلُ اللِّسَانِ: الْقَوْلُ , وَعَمَلُ الْيَدِ: التَّنَاوُلُ , وَعَمَلُ الرِّجْلِ: الْمَشْيُ , وَكُلُّهَا يَجْمَعُهَا اسْمُ الْعَمَلِ فَالْإِيمَانُ عَلَى هَذَا التَّنَاوُلِ إِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَمَلِ , مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ , إِلَّا أَنَّهُ يَتَفَاضَلُ فِي الدَّرَجَاتِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَزَعَمَ مَنْ خَالَفَنَا أَنَّ الْقَوْلَ دُونَ الْعَمَلِ , فَهَذَا عِنْدَنَا مُتَنَاقِضٌ , لِأَنَّهُ إِذَا جَعَلَهُ قَوْلًا فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ عَمَلٌ , وَهُوَ لَا يَدْرِي بِمَا أَعْلَمْتُكَ مِنَ الْعِلَّةِ الْمَوْهُومَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ عَمَلًا , وَتَصْدِيقُهُ فِي تَأْوِيلِ الْكِتَابِ فِي عَمَلِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ , قَوْلُ اللَّهِ فِي الْقَلْبِ {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] , وَقَالَ {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] , وَقَالَ {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَسَدِ لَمُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ الْجَسَدِ , وَهِيَ الْقَلْبُ وَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مُطْمَئِنًا مَرَّةً , وَيُصْغِي أُخْرَى وَيَوْجَلُ ثَالِثَةً , ثُمَّ يَكُونُ مِنْهُ الصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ , فَأَيُّ عَمَلٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ ثُمَّ بَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8] فَهَذَا مَا فِي عَمَلِ الْقَلْبِ وَأَمَّا عَمَلُ اللِّسَانِ , فَقَوْلُهُ {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015