فقال: {إذ رميت}، ونفى عنه رمياً، بقوله: {وما رميت}، والنظر الصحيح يدل على أنه لا بد من الجمع ما بين الرمي المنفي والرمي المثبت، وهذا يتضح بأن العبد إذا فعل الفعل، فإن الفعل الذي يفعله سبب في حدوث المسبب، ولا يحصل المسبب، أو لا تحصل النتيجة بفعل العبد وحده في أكثر أو في جل المسائل، بل لا بد من إعانة من الله - عز وجل -، وهذا ظاهر في الرمي بخصوصه؛ لأن الرمي عن بعد له ابتداء وله انتهاء، فابتداء الرمي من النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن الانتهاء بأن يصيب رمي النبل أو رمي الحصاة فلاناً المشرك، ويموت منه، هذا من الله - عز وجل -؛ لأن العبد لا يملك أن تكون رميته ماضية، فتصيب، ولهذا فيكون العبد هنا متخلصاً من رؤيته لنفسه ومن حوله وقوته مع فعله؛ لأن الذي يمن عليه ويسدد رميه هو الله - عز وجل -، فيكون إذاً معنى أصاب: بما أعان على التسديد (?).

فهذه الآيات التي تقدم ذكرها: دلت على أن الله خالق كل شيء فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته وكل ساكن وسكونه، وما من ذرة في السموات ولا في الأرض إلا والله - سبحانه وتعالى - خالقها وخالق حركتها وسكونها، لا خالق غيره ولا رب سواه.

كما دلت على أن للعباد قدرة على أعمالهم، ولهم مشيئة، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم، وأقوالهم وأعمالهم وهو الذي منحهم إياها وأقدرهم عليها وجعلها قائمة بهم مضافة إليهم حقيقة، وبحسبها كلفوا وعليها يثابون ويعاقبون، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} الزخرف: 72، وقال تعالى: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)} السجدة: 14، ولم يكلفهم الله تعالى إلا وسعهم ولم يحملهم إلا طاقتهم كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} البقرة: 286.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015