ويكرمون ويستعلون حين يدينون لله وحده , ويتحررون من العبودية للعبيد .. ولما كان اللّه - سبحانه - يريد لعباده العزة والكرامة والاستعلاء فقد أرسل رسله ليردوا الناس إلى عبادة اللّه وحده. وليخرجوهم من عبادة العبيد .. لخيرهم هم أنفسهم .. واللّه غني عن العالمين.

إن الحياة البشرية لا تبلغ مستوى الكرامة الذي يريده اللّه للإنسان إلا بأن يعزم البشر أن يدينوا للّه وحده، وأن يخلعوا من رقابهم نير الدينونة لغير اللّه. ذلك النير المذل لكرامة الإنسان في أية صورة قد كان! والدينونة للّه وحده تتمثل في ربوبيته للناس وحده. والربوبية تعني القوامة على البشر، وتصريف حياتهم بشرع وأمر من عند اللّه، لا من عند أحد سواه. وهذا ما يقرر مطلع هذه السورة الكريمة أنه موضوع كتاب اللّه وفحواه: «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ» ..

وهذا هو معنى العبادة كما يعرفه العرب في لغتهم التي نزل بها كتاب اللّه الكريم.

والإقرار بالرسالة أساس للتصديق بهذه القضايا التي جاءت الرسالة لتقريرها. وكل شك في أن هذا من عند اللّه، كفيل بتحطيم احترامها الملزم في عالم الضمير. والذين يظنون أنها من عند محمد - مهما أقروا بعظمة محمد - لا يمكن أن تنال من نفوسهم الاحترام الملزم، الذي يتحرجون معه أن يتفلتوا منها في الكبير أو الصغير .. إن الشعور بأن هذه العقيدة من عند اللّه هو الذي يطارد ضمائر العصاة حتى يثوبوا في النهاية إلى اللّه، وهو الذي يمسك بضمائر الطائعين، فلا تتلجلج ولا تتردد ولا تحيد.

كما أن الإقرار بالرسالة هو الذي يجعل هناك ضابطا لما يريده اللّه من البشر. كي يتلقى البشر في كل ما يتعلق بالدينونة للّه من مصدر واحد، هو هذا المصدر. وكي لا يقوم كل يوم طاغوت مفتر يقول للناس قولا، ويشرع للناس شرعا، ثم يزعم أنه شرع اللّه وأمره! بينما هو يفتريه من عند نفسه! وفي كل جاهلية كان يقوم من يشرع الشرائع، ومن يقرر القيم والتقاليد والعادات .. ثم يقول: هذا من عند اللّه!!!

وما يحسم هذه الفوضى وهذا الاحتيال على الناس باسم اللّه، إلا أن يكون هناك مصدر واحد - هو الرسول - لقول اللّه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015