النفع والضر. وكل حركة إنما تجري بقدر من اللّه. فما لم يأذن به اللّه لا يكون، ولا يكون إلا قدره وما جرى به قضاؤه من الأمور ..

قل لهم مستنكرا دعوة غير اللّه، وعبادة غير اللّه، والاستعانة بغير اللّه، والخضوع لغير اللّه. وسخف هذا التصرف وهذا الاتجاه .. وسواء كان ذلك ردا على ما كان يقترحه المشركون على النبي - صلى الله عليه وسلم - من مشاركتهم عبادة آلهتهم ليشاركوه عبادة ربه! أو كان ذلك استنكارا مبتدأ لما عليه المشركون، وإعلانا للمفارقة والمفاصلة فيه من جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين .. فإن المؤدى في النهاية واحد وهو استنكار هذا السخف الذي يرفضه العقل البشري ذاته متى عرض له في النور بعيدا عن الموروثات الراسبة، وبعيدا كذلك عن العرف السائد في البيئة! ولتجسيم السخف وتضخيم الاستنكار يعرض هذه المعتقدات في ضوء ما هدى اللّه المسلمين إليه من عبادته وحده، واتخاذه وحده إلها، والدينونة له وحده بلا شريك: «قُلْ: أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا؟» .. فهو ارتداد على الأعقاب ورجوع إلى الوراء بعد التقدم والارتقاء ..

ثم هذا المشهد الشاخص المتحرك الموحي المثير: «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ .. حَيْرانَ .. لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى: ائْتِنا» ..

إنه مشهد حي شاخص متحرك للضلالة والحيرة التي تنتاب من يشرك بعد التوحيد، ومن يتوزع قلبه بين الإله الواحد، والآلهة المتعددة من العبيد! ويتفرق إحساسه بين الهدى والضلال، فيذهب في التيه .. إنه مشهد ذلك المخلوق التعيس: «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ» - ولفظ الاستهواء لفظ مصور بذاته لمدلوله - ويا ليته يتبع هذا الاستهواء في اتجاهه، فيكون له اتجاه صاحب القصد الموحد - ولو في طريق الضلال! - ولكن هناك، من الجانب الآخر، أصحاب له مهتدون، يدعونه إلى الهدى، وينادونه «ائتنا» - وهو بين هذا الاستهواء وهذا الدعاء «حيران» لا يدري أين يتجه، ولا أي الفريقين يجيب! إنه العذاب النفسي يرتسم ويتحرك، حتى ليكاد يحس ويلمس من خلال التعبير! ولقد كنت أتصور هذا المشهد وما يفيض به من عذاب الحيرة والتأرجح والقلقلة كلما قرأت هذا النص .. ولكن مجرد تصور .. حتى رأيت حالات حقيقية، يتمثل فيها هذا الموقف، ويفيض منها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015