إن معنى عبد في اللغة: دان، وخضع، وذل .. ولم يكن معناه في الاصطلاح الإسلامي في أول الأمر أداء الشعائر .. إنما كان هو معناه اللغوي نفسه .. فعند ما نزل هذا النص أول مرة لم يكن شيء من الشعائر. قد فرض حتى ينطلق اللفظ إليه. إنما كان المقصود هو معناه اللغوي الذي صار هو معناه الاصطلاحي. كان المقصود به هو الدينونة للّه وحده، والخضوع له وحده، واتباع أمره وحده. سواء تعلق هذا الأمر بشعيرة تعبدية، أو تعلق بتوجيه أخلاقي، أو تعلق بشريعة قانونية. فالدينونة للّه وحده في هذا كله هي مدلول العبادة التي خص اللّه سبحانه بها نفسه ولم يجعلها لأحد من خلقه ..

وحين نفهم معنى العبادة على هذا النحو نفهم لماذا جعل يوسف - عليه السلام - اختصاص اللّه بالعبادة تعليلا لاختصاصه بالحكم. فالعبادة - أي الدينونة - لا تقوم إذا كان الحكم لغيره .. وسواء في هذا حكمه القدري القهري في حياة الناس وفي نظام الوجود، وحكمه الشرعي الإرادي في حياة الناس خاصة. فكله حكم تتحقق به الدينونة.

ومرة أخرى نجد أن منازعة اللّه الحكم تخرج المنازع من دين اللّه - حكما معلوما من الدين بالضرورة - لأنها تخرجه من عبادة اللّه وحده .. وهذا هو الشرك الذي يخرج أصحابه من دين اللّه قطعا. وكذلك الذين يقرون المنازع على ادعائه، ويدينون له بالطاعة وقلوبهم غير منكرة لاغتصابه سلطان اللّه وخصائصه .. فكلهم سواء في ميزان اللّه.

ويقرر يوسف - عليه السلام - أن اختصاص اللّه - سبحانه - بالحكم - تحقيقا لاختصاصه بالعبادة - هو وحده الدين القيم: «ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» ..

وهو تعبير يفيد القصر. فلا دين قيما سوى هذا الدين، الذي يتحقق فيه اختصاص اللّه بالحكم، تحقيقا لاختصاصه بالعبادة ..

«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» .. وكونهم «لا يعلمون» لا يجعلهم على دين اللّه القيم. فالذي لا يعلم شيئا لا يملك الاعتقاد فيه ولا تحقيقه ..

فإذا وجد ناس لا يعلمون حقيقة الدين، لم يعد من الممكن عقلا وواقعا وصفهم بأنهم على هذا الدين! ولم يقم جهلهم عذرا لهم يسبغ عليهم صفة الإسلام. ذلك أن الجهل مانع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015