وكيف يكتبون، فذلك غيب من الغيب الذي لا نعرف عنه شيئا إلا من مثل هذا النص، فعلينا أن ندركه دون ما تأويل ولا إضافة لدلالة اللفظ الصريح.

ثم ذلك المشهد الحي، الذي يعرض كأنه يقع، وتشهده العيون، وتتابعه المشاعر، وتخفق معه القلوب.

يبدأ بتقريرالقدرة المسيطرة المهيمنة على الحركة والسكون: «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» ..

ذلك أن السورة كلها معرض لتقرير هذه القدرة التي تسيطر على أقدار الكون كله بلا شريك.

ثم ها نحن أولاء أمام المشهد القريب: «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ» .. وها هي ذي الفلك تتحرك رخاء .. «وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» .. وهذه مشاعر أهل الفلك ندركها: «وَفَرِحُوا بِها» ..

وفي هذا الرخاء الآمن، وفي هذا السرور الشامل، تقع المفاجأة، فتأخذ الغارين الآمنين الفرحين:

«جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ».

يا للهول! «وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ» .. وتناوحت الفلك واضطربت بمن فيها، ولاطمها الموج وشالها وحطها، ودار بها كالريشة الضائعة في الخضم .. وهؤلاء أهلها في فزع يظنون أن لا مناص:

«وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ» .. فلا مجال للنجاة ..

عندئذ فقط، وفي وسط هذا الهول المتلاطم، تتعرى فطرتهم مما ألم بها من أوشاب، وتنفض قلوبهم ما ران عليها من تصورات، وتنبض الفطرة الأصيلة السليمة بالتوحيد وإخلاص الدينونة للّه دون سواه: «دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ»! وتهدأ العاصفة ويطمئن الموج، وتهدأ الأنفاس اللاهثة، وتسكن القلوب الطائرة، وتصل الفلك آمنة إلى الشاطئ، ويوقن الناس بالحياة، وأرجلهم مستقرة على اليابسة. فماذا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015