وَكِسْوَةٍ وَمَرْكُوبٍ وَتَنْصَرِفُونَ عَنَّا. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَبْعَدَ أَنْ أَوْهَنَّا مُلْكَكُمْ وَضَعَّفْنَا عِزَّكُمْ؟! وَلَنَا مُدَّةٌ نَحْوَ بِلَادِكُمْ، وَنَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْكُمْ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، وَسَتَصِيرُونَ لَنَا عَبِيدًا عَلَى رَغْمِكُمْ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ اسْتَشَاطَ غَضَبًا. (?)

وفي هذه الكلمات القلائل تتركز قاعدة هذه العقيدة، وتتجلى طبيعة الحركة الإسلامية التي انبثقت منها، وانطلقت بها ..

إنها إخراج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ... ورد أمرهم إلى الله -وحده- في المحيا والممات، في الدنيا والآخرة. وإفراد الله سبحانه بالألوهية وبخصائص الألوهية -والسلطان والحاكمية والتشريع، هي أولى هذه الخصائص التي لا نازع الله فيها مؤمن، ولا يجرؤ على منازعته إياها إلا كافر -ولا توجد حرية للإنسان، بل لا يوجد "الإنسان" ذاته، إلا بخلوصها لله.

وأصحاب عقيدة التوحيد - حين يفيئون اليوم إليها، وحين يرفعون رايتها وحدها- يملكون أن يقولوا للبشرية كلها ما قاله ربعي بن عامر. فالبشرة -من هذه الناحية- اليوم كما كانت يوم قال ربعي بن عامر كلمته .. إنها كلها غارقة في عبادة العباد. والتوحيد -بمعناه الشامل- هو الذي يخرج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. وبذلك وحده "يتحرر الإنسان" بل "يولد الإنسان".

وأصحاب عقيدة التوحيد -حين يفيئون إلى منهج الله الذي من به عليهم وينادون به- يملكون أن يتقدموا للبشرية بالشيء الذي تفقده جميع المناهج والمذاهب والأنظمة والأوضاع في الأرض كلها لا استثناء. ومن ثم يكون لهم اليوم وغداً دور جديد، ودور عالمي إنساني كبير. ودور قيادي أصيل في التيارات العالمية الإنسانية. ودور يمنحهم سبباً وجيهاً للوجود العالمي الإنساني -كالدور الذي منح العرب الأميين في الجزيرة العربية، سبباً وجيهاً للوجود العالمي الإنساني، وللقيادة العالمية الإنسانية.

إنهم لا يملكون أن يقدموا للبشرية اليوم أمجاداً علمية، ولا فتوحات حضارية، يبلغ من ضخامتها أن تتفوق تفوقاً ساحاً على كل ما لدى البشرية منها .. ولكنهم يملكون أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015