ويعلم أنَّه إنَّما جُعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر مِمَّا يقول؛ لأنَّه إذا قال ربَّما ندم، وإن لَم يقل لَم يندم، وهو على ردِّ ما لَم يقل أقدر منه على ردِّ ما قال، والكلمةُ إذا تكلَّم بها ملكَتْه، وإن لَم يتكلَّم بها ملكها)) .

وقال أيضاً في (ص:49) : ((لسانُ العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القولَ رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلاَّ فلا، والجاهلُ قلبُه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلَّم به، وما عقل دينَه من لَم يحفظ لسانه)) .

وروى البخاري في صحيحه (6477) ومسلم في صحيحه (2988) ، واللفظُ لمسلم عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)) .

وفي آخر حديث وصيّة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ أخرجه الترمذي (2616) وقال: ((حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)) ، قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخِرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم)) ، قاله جواباً لقول معاذ رضي الله عنه: ((يا نبيَّ الله! وإنَّا لمؤاخذون بِمَا نتكلَّم به؟)) .

قال الحافظ ابن رجب في شرحه من كتابه جامع العلوم والحكم (1/147) : ((والمرادُ بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته؛ فإنَّ الإنسانَ يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيِّئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمَن زرع خيراً مِن قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامة، ومن رزع شراًّ من قولٍ أو عملٍ حصد غداً الندامة)) .

وروى مسلم في صحيحه (2581) عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((أتدرون مَن المُفلِس؟ قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا دِرهم له ولا متاع، فقال: إنَّ المفلسَ من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015