وأبو سليمان يقول: الأمور مقسومة على الحدود الطبيعيّة والقوى النفسيّة والبسائط العقليّة والغرائب الإلهيّة، فبالواجب، ما كان هاهنا مألوف له نسبة إلى الطبيعة، ونادر له نسبة إلى النفس، وبديع له نسبة إلى العقل، وغريب له نسبة إلى الإله، والفلتات في الأحوال من هذا القبيل، أعني ما يتخلّل هذه المراتب.

فقال له البخاريّ: أيقال لما يصدر عن الإله فلتة؟

قال: بحسب مصيره إلينا، ووصوله إلى عالمنا، لا بحسب صدوره عن الباري، فليس هناك هذا ولا ما يشبه، لأنّ هذه السّمات لحقت المركّبات، من الأوائل المزدوجات، والثّواني المكرّرات، والثوالث المحقّقات، والرّوابع المتمّمات، والخوامس المدبّرات، والسوادس المضاعفات، والسوابع الظّاهرات، والثوامن المعقّبات، والتواسع العاليات، والعواشر الكاملات، وما بعد العواشر داخل في المكرّرات.

قال له البخاريّ مستزيدا: أكان التّوفيق من الاتفاق؟

فقال: هما يتوحّدان من وجه، ويفترقان من وجه، فوجه توحّدهما أنّ الاتّفاق وليد التوفيق، والتّوفيق غاية الاتّفاق، ووجه افتراقهما أنّ الاتّفاق يبرز إلى الحسّ، وأصحابه يشتركون في التعجّب منه، والاستطراف له، والتّوفيق يستر عن الحسّ، ولهذا لا تسلك مسالكه. وأما الوفاق والموافقة والتوفيق والاتّفاق فمتلابسة المعاني، ولمّا لم يكن بين المعنى والمعنى مسافة محصّلة حسب هذا في حيّز هذا، وعدّ هذا في جملة هذا.

وقال- أبقاه الله وأدام أيّامه-: ما اليمن والبركة؟ والفأل والطّيرة وأضدادها؟

فكان الجواب: إنّ اليمن عبارة عن شيء يبشّر به ويبتغى ويراد، ويقال: فلان ميمون الناصية، وميسور الناصية، أي هو سبب ظاهر في نيل مأمول وإدراك محبوب، واشتقاقه في اليمين، وهو القوّة، ولذلك يقال لليسار: شمال، لأنّها أضعف منها، وتسمّى أيضا: الشّؤمى. ويقال: يمن فلان عليهم، وشؤم، وهو ميمون ومشئوم، جعل الفعل على طريق ما لم يسمّ فاعله، لأنّه شيء موصول به من غير إرادته واختياره. وإنما نزعوا إلى قولهم: فلان مشئوم ليكون الفعل واقعا به- أعني المكروه- وإلّا فهو شائم في الأصل. ويقال: شأم فلان قومه، وكذلك يمنهم، وكأنّهما قوّتان علويّتان تصحبان مزاجين مختلفين، وإذا اعتيد منهما هذان العرضان اللذان يصدران عن هاتين القوّتين العلويّتين، قيل: فلان كذا، وفلان كذا.

وأما البركة فهي النّماء والزّيادة والرّيع، من حيث لا يوجد بالحسّ ظاهرا مكشوفا يشار إليه، فإذا عهد من الشيء هذا المعنى خافيا عن الحسّ قيل: هذه بركة، واشتقاقها من البروك، وهو اللّزوم والسّعة، ومن ذلك: البركة. والبركة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015