والذي يهمنا من هذا كله هو ما يؤثر عن الإمام المازري من أنه كان - في تلك الأثناء - يكرم من يفد على إفريقية من مهاجري صقلية، فيوسع على فقيرهم، ويساعد بالنصيحة الميسور منهم، عطفًا على أولئك اللاجئين المصابين بفقدان الوطن، وقد استقر منهم كثير من أحواز المهدية، والمنستير، وسوسة، فاشتروا الأرضين لا ثمارها بالفلح، فكان المازري أكبر معين لهؤلاء على استقرارهم في الوطن الجديد، وتأنيس غربتهم، وفي الواقع إن هذه العاطفة كانت تخالج ضمير سائر سكان الساحل إلا أنها ربما كانت أظهر عند المازري لما تربطه بهم من أواصر الاغتراب، نظير ما حصل - خمس قرون بعد ذلك - لجالية الأندلس النازحة إلى التراب التونسي عقب الجلاء الأخير.

ولا غرابة أن تصدر عن المازري تلك الفتوى الفريدة من نوعها لإعذار أهل صقلية عن مهاجرة بلادهم، وأن يُظْهِرَ من الرأفة والشفقة لمن بقي منهم فيها، وهو أعلم الناس بحالهم، وبما كانت تكنه نفوسهم من الحسرة على مبارحة أوطانهم، واللهُ يفعل ما يريد!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015