كانت تلك الكارثة التي حلت بالبلاد، ولم يكن لها بمثلها عهد منذ تاريخها الأقدم، أنها فقدت وحدتها السياسية وأضاعت سلطانها المركزي، فاختل توازنها، وانهارت حضارتها في أقل من عام.

هجم على إفريقية التونسية بَنُو هِلاَلٍ وَبَنُو سُلَيْمٍ، ولا كهجوم التتر على بغداد - وذلك في سنة 449 هـ - (?) كأنهم السيل العرم يتدافع على البطاح، أو كأنهم الجراد المنتشر يحط على الحقول النامية، وما هي إلا أن هدمت القصور والأبنية، وخربت المسالك والميادين، وعاثت في عمران البلاد يد الدمار.

وأصابت النكبة - أول ما أصابت - مدينة القيروان، أم القرى المغربية، وعاصمة الحضارة العربية، فأصحبت خاوية على عروشها، يهيم أهلوها على وجهوههم في أرجاء الأرض العريضة ما بين أصقاع المغرب والأندلس، إلى العراق، إلى ما وراء النهر.

فارق العلم والأدب والفن ربوع القيروان، ومضى يلم شتاته، ويجمع بقاياه، ملتمسًا له ملاذًا في المهدية وسوسة وبعض القرى الساحلية الأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015