الام للشافعي (صفحة 1098)

بَعْضًا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ لَوْ غَزَوْنَا فَقَتَلُوا فِينَا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى دَارِهِمْ فَأَسْلَمُوا أَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الرُّجُوعِ أَيَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْهُمْ قَوَدٌ؟ قَالَ: لَا. قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْأُسَارَى أَوْ التُّجَّارُ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَلَا مُشْتَبَهٍ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: يُقْتَلُونَ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ أَيَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَصْدَ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَيَقْتُلُونَهُمْ؟ قَالَ لَا بَلْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، قُلْت أَفَيَسَعُهُمْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَرَأَيْت الْأُسَارَى وَالتُّجَّارَ لَوْ تَرَكُوا صَلَوَاتٍ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهَا أَوْ زَكَاةً كَانَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا مَا يَحِلُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تُغَيِّرُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَيَكُونُ أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَتَوْا فِي الدَّارِ الَّتِي لَا تُغَيِّرُ عِنْدَك شَيْئًا.

ثُمَّ قُلْت وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُ حَقٍّ قِبَلَهُمْ فِي دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ؟ وَمَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُهُ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُمْ عِنْدَك فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ فَإِنِّي أَقِيسُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ أَبْطَلَ مَا أَصَابُوا إذَا كَانَ الْحُكْمُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ، قُلْت وَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمَهُمْ يُقَادُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَا أَصَابُوا وَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ لَا إمَامَ لَهُمْ وَلَا امْتِنَاعَ فَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كَانَ الَّذِي تُقِيمُ عَلَيْهِ الْحُدُودَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَشْبَهُ بِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُمْتَنِعِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ عِنْدَك إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ أَقَدْتهمْ وَأَخَذْت لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَا ذَهَبَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مَنَعْتَهُمْ بِأَنَّ الدَّارَ لَا يُجْرَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ، فَقُلْت لَهُ فَأَنْتَ إنْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ مُخْطِئٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَبْتَدِئَ بِاَلَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ، قَالَ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ فِي الَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ شَيْءٌ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت أَرَأَيْت الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يُحَارِبُونَ فَيَمْتَنِعُونَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ وَيَأْتُونَ الْحُدُودَ؟ قَالَ يُقَامُ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ قُلْت وَلِمَ وَقَدْ مَنَعُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ دَارَهُمْ وَمَوَاضِعَهُمْ حَتَّى صَارُوا لَا تَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ؟ وَإِنْ كُنْت إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الْحُكْمَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ امْتِنَاعُ الدَّارِ فَهَؤُلَاءِ مَنَعُوا الدَّارَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهَا حُكْمٌ وَقَدْ أَجْرَيْت عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ فَلِمَ أَجْرَيْته عَلَى قَوْمٍ فِي دَارٍ مَمْنُوعَةٍ مِنْ الْقَوْمِ وَأَسْقَطْته عَنْ آخَرِينَ؟ وَإِنْ كُنْت قُلْت يَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ مُتَأَوِّلُونَ مَعَ الْمَنْعِيَّةِ مُشْبَهٌ عَلَيْهِمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَا صَنَعُوا مُبَاحٌ لَهُمْ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ الَّذِينَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ الْحُدُودَ يَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ؟ فَإِنَّمَا قُلْت هَذَا فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تَقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ قُلْت لَهُ أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ؟ قَالَ نَعَمْ وَيُحْتَمَلُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَالْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قُلْت لَهُ وَمَنْ قَالَ بِبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ بِلَا دَلَالَةٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ فَأَنْتَ إذًا تُخَالِفُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَزَعَمْت فِي هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّك تَطْرَحُهُ عَنْ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ بِأَنْ يَكُونُوا فِي دَارٍ مُمْتَنِعَةٍ وَلَمْ تَجِدْ دَلَالَةً عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا إجْمَاعٍ فَتُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِلَا دَلَالَةٍ وَتَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015