الْفَصْل الثَّالِث

الْوَاسِطَة بَين الله وَبَين مُوسَى

من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

قَالَ

ثمَّ نقُول لمن ناظرني من بَاقِيَة الْمُسلمين إِن كتابكُمْ يَقُول إِن مُوسَى سمع الله وَكَلمه تكليما فَكيف كَانَ ذَلِك وَأَنْتُم قد أعجزتم جَمِيع الحاسات من إِدْرَاكه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِأَنَّهُ لَا مفطور وَلَا مشبه بِشَيْء مِمَّا يتَصَوَّر فِي الأوهام

فَإِن قُلْتُمْ إِنَّه كَلمه بِذَاتِهِ فقد أوجبتم لَهُ جارحة النُّطْق ووقعتم فِيمَا أنكرتموه من الْجِسْم وَإِن قُلْتُمْ إِن الله خلق لَهُ كلَاما فقد أثبتم كلَاما مخلوقا قَائِما بخلقه جوهرا فِي نَفسه إِذْ لم يكن عرضا فِي الله قَالَ لمُوسَى {أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني} وأثبتم أَن الْكَلَام وَاسِطَة بَين الله وَبَين مُوسَى وَأَن مُوسَى أقرّ بالربوبية لقَوْله {رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} وَقَول الصدى الَّذِي هُوَ الْمُتَكَلّم لَهُ {لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني}

فَإِن قلت أَن الصدى لم يقل لَهُ أَنا الله وَلكنه فِي مسامع مُوسَى أَنا الله قلت لَك أَن الصدى هُوَ الْعَامِل فِي مسامع مُوسَى وَهُوَ المحرك لَهُ وَعَلِيهِ رد وإياه أجَاب

وَالدَّلِيل على أَنه كَانَ فِي غَفلَة فَمَا كَانَ يُرِيد الله من إرْسَاله إِلَى فِرْعَوْن حَتَّى خلق لَهُ نَارا أبصرهَا فَنزع إِلَيْهَا فَلَمَّا أَتَاهَا أحجب الله لَهُ فِيهَا صدى قَالَ لَهُ {أَنا الله} و {لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني} إِلَّا أَن تَقولُوا إِن مُوسَى قد كَانَ يعرف مَا كَانَ يُرِيد الله من إرْسَاله إِلَى فِرْعَوْن دون النَّار وَالْكَلَام فَيكون خبر النَّار وَالْكَلَام لَا معنى لَهما وخبرهما لم يفد شَيْئا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015