الْفَصْل الرَّابِع

دَلِيل التَّثْلِيث

فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

قَالَ

فَإِن سَأَلَ سَائل من الْمُخَالفين فَقَالَ فَمَا الدَّلِيل على صدق مَا تدعون من تثليث وحدانية الْخَالِق وَكَيف يُمكن أَن تكون الثَّلَاثَة وَاحِدًا وَالْوَاحد ثَلَاثَة مَعَ مَا ابتدأتم بِهِ من القَوْل وإثباتكم إِيَّاه فَردا لم يزل

قُلْنَا لَهُم أما أَن تكون الثَّلَاثَة وَاحِدًا وَالْوَاحد ثَلَاثَة فَلذَلِك لعمرى مَالا يُمكن كَونه وَلَكِن نقُول أَن جوهرا قَدِيما لم يزل مَوْجُودا بِثَلَاث خَواص أزليات جوهرات غير متباينات وَلَا متفرقات فِي الْجَوْهَر الْقَدِيم الأزلي اليذي لَا يَتَبَعَّض وَلَا يتَجَزَّأ بِعَيْنِه وكماله فَلَا هُوَ ثَلَاثَة وَجَمِيع الثَّلَاثَة خَواص هِيَ بِمَعْنى مَا هُوَ وَاحِد وَلَا هُوَ وَاحِد بِمَعْنى مَا هُوَ ثَلَاثَة أعنى لَيْسَ هُوَ خَاصَّة وَاحِدَة بل ثَلَاثَة خَواص فَهَذَا مَذْهَبنَا فِي تثليث وحدانية الْخَالِق

الْجَواب عَنهُ

هَذَا السُّؤَال الَّذِي وجهت على نَفسك وَارِد عَلَيْك ولازم لَك وَأما انفصالك عَنهُ فمخرجك عَن مِلَّة النَّصْرَانِيَّة وَلَا يبْقى عَلَيْك مِنْهَا بَقِيَّة وَذَلِكَ أَن مرادك من هَذَا الْجَواب أَنَّك قلت كلَاما مَعْنَاهُ أَن كَون الْوَاحِد ثَلَاثَة وَالثَّلَاثَة وَاحِدًا غير جَائِز عقلا وَلَكِن معنى التَّثْلِيث أَن الله تَعَالَى جَوْهَر قديم لم يزل مَوْصُوفا بِثَلَاث خَواص أوليات فَهُوَ وَاحِد بِمَجْمُوع الأقانيم وَثَلَاثَة بتفريق الأقانيم وَتلك الأقانيم لَا تفارق وجوده وَلَا تباينه وَلَا يُمكن أَن يحمل كلامك إِلَّا على هَذَا وَإِن حمل على غَيره فَهُوَ بعيد وَغَيره مُفِيد

وَهَذَا الَّذِي ذكرته لَا يسْأَله لَك أَكثر النَّصَارَى بل يتبرأون عَنهُ وَلَا يرضون بِشَيْء مِنْهُ إِذْ نَصَارَى قبلك أَكْثَرهم متفقون على أَن الأقانيم الثَّلَاثَة آلِهَة وَأَنَّهَا إِلَه وَاحِد فَأَنت تَقول هِيَ خَواص وهم يَقُولُونَ آلِهَة فَأَي شَيْء يجمع بَين الخاصية والإلهية وَبَينهمَا مَا بَين السَّمَاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015