الباب الثاني في ذكر الطالع الذي بنيت فيه ومن بناها

اعلم أنّ حلب من الإقليم الرابع وهذا الإقليم هو أفضل الأقاليم السبعة وأصحها هواءً وأعذبها ماءً وأحسنها أهلاً وهو وسطها وحيّرزها. وذكر هِرمِس أنّ الإقليم الرابع في الوسط من العمران وهو للشمس. وقال بطليموس: إنَ الإقليم الرابع للشمس وأطول ما يكون النهار في المدن الّتي على الخطّ المسمّى وبسيطه أربع عشرة ساعةً ونصف وبُعد هذا الخطّ من خطّ الاستواء ستّ وثلاثون درجةً تكون من الأميال ألفَيْ ميل وأربعمائة ميل وسعة عرضه من آخر حدود إقليم الثالث إلى أوّل الخامس من الأجزاء خمس درج وأربع دقائق تكون ذلك من الأميال ثلاثمائة وثلاثون ميلاً ونصف الميل. قال: وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال اثنان وعشرون جبلاً ومن المدن الكبار المشهورة نحو مائتي مدينة واثنتي عشرة مدينةً وهذا الإقليم هو إقليم الأنبياء والحكماء لأنه وسط بين ثلاثة أقاليم جنوبية وثلاثة شمالية وهو أيضاً في قسمة النيّر الأعظم. وذكر الخالديّان في تأريخ الموصل أن الإقليم الرابع أفضل الأقاليم وأجلّها لأنّه يبتدئ من المشرق بالصين فيمرّ ببلاد التُبّت وينتهي إلى بحر المغرب وأهل هذا الإقليم أصحّ هذه الأقاليم طباعاً وأتمّهم اعتدالاً وأحسنهم وجوهاً وأَخلاقاً وأكثر الأقاليم مدناً وعمارةً وفيه مغاصّ الدُرّ وفيه جبال أنواع اليواقيت والحجارة الثمينة وجميع أصناف الطيب ولأهلها الصنائع واللطف والتأليف من الرخام وصِبْغه ونصب الطلسمات وكلّ مدينة معتدلة الهواء مشهورة الاسم فمنه وداخلة فيه.

الباب الثاني في

ذكر الطالع الذي بُنيت فيه ومن بناها

اخبرني الرئيس بهاء الدين أبو محتد الحسن بن إبراهيم ابن الخشاب الحلبي قال: نقلتُ من ظهر كتاب عتيق ما هذه صورته: رأيتُ في القنطرة التي على باب إنطاكية من مدينة حلب في سنة إحدى عشرة وأربعمائة للهجرة كتابةً باليونانيّة فسألتُ عنها فحكى لي أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الحسينيّ الحرّانيّ أيّده الله انّ أبا أسامة الخطيب بحلب حكى له أنّ أباه حدّثه أنّه حضر مع أبي الصقر القبيصيّ ومعهما يقرأ باليونانيّة فنسخوا هذه الكتابة. قال: وأنفذ إلي ّ نسختها في رقعة وهي: " بُنيت هذه المدينة والطالع العقرب والمشتري فيه وعطارد يليه ولله الحمد كثيراً بناها صاحب الموصل ". قال: ثمّ سيَر إليّ أبو محمّد الكتاب الذيّ نقل منه ما ذكره بعينه. قال: فشاهدتُ عليه المكتوب كما ذكره لي من غير زيادة ولا نقصان. قلتُ: وصاحب الموصل والله أعلم هو بلوكوس الّذي تُسمّيه اليونانيون سردنيبلوس.

قال كمال الدين بن العديم: قرأتُ في الكتاب الجامع للتأريخ المتضمن ذكر مبدأ الدول ومنشأ الممالك ومواليد الأنبياء وأوقات بناء المدن وذكر الحوادث المشهورة مماّ عُني بجمعه أبو نصر يحيى بن جرير الطيب التكريتيّ النصراني من عهد آدم إلى دولة بني مروان ونقلتُ ذلك من خطّه. قال: ذُكر أن في دولة الواصلة أنّ بلوكوس الموصليّ ملك خمس وأربعين سنةً وأوّل مُلكه في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعة وثمانين لآدم عَم. قال: وفي سنة تسع وعشرين من مُلكه وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة سنةً لآدم ملكت أطوسا المسمات سَميرَم مع بلوكوس أبيها. وبلوكوس هذا الّذي تسمّيه اليونانيّون سَرْدنيبلوس وهو الّذي بنى حلب.

وقال أبو الريحان أحمد بن محمد البيرونيّ في كتاب القانون المسعوديّ: بُنيت حلب في أيام بلقورس من ملوك نينوى وكان مُلكه لمضي ثلاثة آلاف وتسعمائة واثنين وستين سنةً لآدم عم ومدّة مقامه في الملك ثلاثون سنةً. وبلقورس هذا هو بلوكوس الّذي قدّمنا ذكره غير أنّ هذه الأسماء الأعجمية لا يكاد المسمّون لها يتَّفقون فيها على صورة واحدة لاختلاف ألسنتهم.

وممّا نقلتُه من تأريخه أيضا قال: وفي السنة الحادة والعشرين من ملك سلوقوس اليهود أن يقيموا في المدن الّتي بنى وأطرّهم إلى ذلك وقرّر عليهم الجزية الّتي أزالها شمعون بعد مائة وسبعين سنةً ووجد ذلك في بعض تواريخ القدماء. إنّ في السنة الأولى من تأريخ الإسكندر ملك سولوقوس على سوريا وبابل وهذا الرجل بنى سلوقية وأفامية والرُها وحلب ولاذقية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015