وكذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (الكهف: 47) فإنما قال سبحانه وتعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ} ولم يقل: "ونحشرهم" للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز؛ ليشاهدوا تلك الأحوال، كأنه قال سبحانه: "وحشرناهم قبل ذلك" لأن الحشر هو المهم؛ لأن من الناس من ينكره كالفلاسفة وغيرهم، ومن أجل ذلك ذكر بلفظ الماضي.

ولك أن تتأمل الآية المشهورة في أول سورة النحل: {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} فعبر المولى -سبحانه وتعالى- بلفظ الماضي؛ لأنّ ذلك أمر محقق واقع، هذا بعض ما تبدى للبلاغيين في ذكر الفروق في استخدام الأفعال الثلاثة بأزمنتها المختلفة.

استخدام الجملة الاسمية والفعلية

أما استخدام الجملة الاسمية والفعلية؛ فيُعدل عن الفعلية إلى الاسمية لغرض معين ذكرناه قبل ذلك في باب التوكيد، كما نص عليه أيضًا ابن الأثير في كتابه إذ يقول: "وإنما يُعدل عن أحد الخطابين إلى الآخر؛ لضرب من التأكيد والمبالغة". فمما جاء من ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون} (البقرة: 14).

فإنهم خاطبوا المؤمنين بجملة الفعلية "آمنا" وخاطبوا شياطينهم بالجملة الاسمية المؤكدة بـ"إنّ" لأنهم في مخاطبتهم إخوانهم بما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اعتقاد الكفر والبعد من أن يزلوا عنه على صدق ورغبة ووفور نشاط؛ فكان ذلك متقبلًا منهم ورائجًا عند إخوانهم، أما الذي خاطبوا به المؤمنين؛ فإنهم قالوه تكلفًا وإظهارًا للإيمان خوفًا ومداجاة، وكانوا يعلمون أنهم لو قالوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015