وأدرك كفار قريش هذا المعنى عندما علموا أن المهاجرين قوبلوا بالإكرام والتقدير وأعطوا الحرية في دينهم فصاروا يعبدون الله ربهم دون خوف أو خفاء. من هنا داخلي الخوف بأن الإسلام السمح ربما خط له طريقا في أفريقيا ليتصل بقلوب الأفارقة الطيبة وأذهانهم الخالية- إن ترك وشأنه- ويعمل فيها عمله فيفوزوا بشرف المبادرة إلى قبول الإسلام في الوقت الذي يفوتا فيه هذا الشرف أهل مكة.

فجعلوا يفكرون ويقدرون لينظروا ما يفعلون، فبينما هم في هذا التفكير والتقدير فوجئوا يوم بدر بتلكم الهزيمة النكراء يوم أعز الله فيه الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين فازداد تفكيرهم في شأن المهاجرين فقرروا أخيرا إرسال وفد مهمته محاولة استرجاع المهاجرين إلى مكة- لو استطاعوا- وكان يرأس وفدهم رجل من أدهى رجالات العرب وأقدرهم على سحر البيان، عمرو بن العاص الغني عن التعريف.

قدم الوفد أرض الحبشة فنزل في ضيافة النجاشي وهو يحمل معه أحب الهدايا إلى ملوك الحبشة- كما يقول علماء السيرة- فبادر الوفد فور وصوله بتقديم الهدايا إلى البطارقة رجاء أن يتعاونوا معهم في التأثير في النجاشي حتى يسلم لهم المهاجرين وقد رشوا الأرض ومهدوا الطريق في زعمهم- لو صح التعبير- ولكن المفاوضة أسفرت عن نتيجة عكسية، ذلك لأنهم حاولوا أن يسلم لهم النجاشي المهاجرين قبل أن يسمع كلامهم بل بمجرد الاستماع إلى شرحهم المزخرف. ولكن النجاشي لم يوافق على هذه النقطة بل طلب حضور المهاجرين ليسمع كلامهم كما سمع كلام الآخرين وهو الأسلوب السليم الذي يقتضيه العقل والمنطق بل هو الموقف الذي لا ينتظر من النجاشي غيره وهو من عرفناه إذ هو الملك الذي لا يظلم أحد بجواره بأخبار رسول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015