الباب الخامس والأربعون في الاهتداء بالنّجوم، وجودة استدلال العرب بها وإصابتهم في أمّهم

اعلم أنّ الاهتداء بالنّجوم يحتاج إليها صنفان من النّاس: سيّارة البحر وسائلة الإغفال والقفر، ولذلك مهر الهداية بالنّجوم الصّراريون والأعراب وقد ذكره الله تعالى في جملة ما عدّد من نعمه على خلقه فقال: جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

[سورة الأنعام، الآية: 97] وقال تعالى أيضا: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ

[سورة الإسراء، الآية: 12] الآية. ثم قال تعالى: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

[سورة الأنعام، الآية: 97] وهؤلاء الذين فصّل لهم هذه الآيات واختصّهم بفضل عليها هم الذين عنى بقوله تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

[سورة النّحل، الآية: 16] فافهم عن الله قوله.

ثم اعلم أنه لا يجد من أحبّ علم الاهتداء بالنّجوم بدأ من التقدّم بمعرفة أعيان ما يحتاج إليه منها، واعتبار النّظر إليها في جميع آناء اللّيل حتى يعرفه كمعرفة خلطائه، لئلا يلتبس عليه إذا اختلفت أماكنها في أوقات اللّيل، فإنّ كثيرا ممن يعرف النّجم من النّجوم إذا كان في جهة المشرق حتى إذا دار به الفلك فنقله إلى جهة أخرى عمي عليه حتى لا يعرفه، ويتحيّر حتى لا يهتدي إليه، ويحتاج بعد الاستثبات في معرفة أعيانها إلى معرفة مطالعها ومغاربها، وحال مجاريها من لدن طلوعها إلى غروبها، لأنّ ذلك مما يبدّل أعيان الكواكب في الأبصار، ويدخل على القلوب الحيرة ويورث الشّبهة ويحتاج أيضا إلى أن يعرف سموت البلدان التي تقصد، وجهات الآفاق التي تعمد لئلا يعلم بأي كوكب ينبغي له أن يأتمّ.

والتوجّه إلى القبلة في كل بلد هو من هذا الجنس أيضا، وعلم ذلك ليس بصغير القدر في خاصة الدّين، لأنّه أمر أمر الله به عباده فقال تعالى: مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ

[سورة البقرة، الآية: 150] .

وليس بعد أدلّة الحساب دليل أدلّ من أعيان النّجوم، فليس الشّمس بخارجة منها بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015