1 - وتجلية لهذه القضية، وبيانا لهذا الجانب لا بد من إيضاح معنى النصر، وأنه أشمل مما يتبادر إلى أذهاننا، ويسبق إلى أفهامنا إن النصر له وجوه عدة، وصور متنوعة أهمها ما يلي:

أ- لأنه نصر ظاهر يراه الناس ويحسون به.

ب- أنه هو الانتصار الذي يجمع بين انتصار الدين وظهوره وانتصار الداعية.

ج - أنه محبب إلى النفوس، وهو النصر العاجل،"والنفس مولعة بحب العاجل" ولذلك قال -سبحانه-: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [سورة، الصف:13].

2 - أن النصر قد يكون بإهلاك هؤلاء المكذبين، ونجاة الأنبياء والمرسلين، ومن آمن معهم، كما حدث لنوح، عليه السلام، حيث نجاه الله وأهلك قومه،) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) (10) [سورة القمر، الآيات:10 - 14].

وكذلك قوم هود، (فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (11) [سورة الأعراف، الآية:72].

وقوم صالح، (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [سورة الأعراف، الآية:78].

وقوم لوط، (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [سورة الأعراف، الآية:84].

وقوم شعيب، (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [سورة الشعراء، الآية:189]. إن أخذ المجرمين بالعذاب الأليم نصر عظيم للداعية، وكبت للمكذبين والمرجفين، والله يمهل ولا يهمل أبدا: (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة العنكبوت، الآية:40].

3 - قد يكون الانتصار بانتقام الله من أعدائهم، ومكذبيهم، بعد وفاة هؤلاء الأنبياء والرسل، كما حدث مع من قتل يحيى،-عليه السلام- وشعياء، ومن حاول قتل عيسى، عليه السلام، قال الإمام الطبري " يَقُولُ الْقَائِلُ: وَمَا مَعْنَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي