عبيدا، وينشأون على ذلك، ويسهل تحولهم تحت وطأة الطغيان إلى جبناء مخنثين، وإنه بزوال الحرية تزول الشهامة). (?)

فالفرق الأول بين إنسان الجمهورية وإنسان الملكية، هو في احتفاظ الأول بقدر من حريته وإنسانيته تتجدد كلما تغير رئيس مكان رئيس، بخلاف الثاني الذي يولد في العبودية كما ولد أبوه، ليورث العبودية إلى أبنائه من بعده، كما ورثها عن أبيه، حتى تصبح العبودية طبعا فيه!

فالفرق هنا هو بين الإنسان والإنسان، أما الفرق الثاني فهو بين السلطان والسلطان، والطغيان والطغيان، إذ يختلف طغيان الملكية عن طغيان الجمهورية، كما يقول لوبواسييه عن صور الطغيان:

(هناك ثلاثة أصناف من الطغاة: من يمتلك الحكم عن طريق انتخاب الشعب - ليستبدوا به بعد ذلك كما في الجمهوريات - أو من يملك بقوة السلاح - كالانقلابات العسكرية - أو بالوراثة المحصورة في سلالتهم، وهؤلاء عادة ولدوا وأرضعوا على صدر الطغيان، يمتصون جبلة الطاغية وهم رضع، وينظرون للشعوب الخاضعة لهم نظرتهم إلى تركة من العبيد، ويتصرفون في شئون المملكة كما يتصرفون في ميراثهم). (?)

فالفرق بين الرؤساء في الجمهوريات، والملوك في الملكيات، هو أن طغيان الرؤساء يكون طارئا عليهم بعد السلطة، وينشأ شيئا فشيئا، وقد يفقد الرئيس السلطة قبل أن يبلغ به طغيانه حد التأله، ثم لا يلبث أن يعود إلى طبيعته بعد تغير أحواله وخروجه من السلطة، بخلاف طغيان الملوك، فإنهم يرضعونه من ثدي أمهاتهم، فلا يصلون إلى الحكم إلا وقد بلغ الطغيان فيهم حد التأله، ويكون الشعب قد بلغ حد العبودية، من حيث لا يشعر بعبوديته لهم!

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015