فصل:

واعلم أن الحسبة واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم، فأمَّا ما بينهما وبين القضاء فهي موافقة لأحكام القضاء من وجهين، ومقصورة عنه من وجهين، وزائدة عليه من وجهين:

فأما الوجهان في موافقتها لأحكام القضاء:

فاحدهما: جواز الاستعداء إليه وسماعه دعوى المستعدي على المستعدى عليه في حقوق الآدميين، وليس هذا على عموم الدعاوى، وإنما يختص بثلاثة أنواع من الدعوى:

أحدها: أن يكون فيما يتعلق ببخس وتطفيف في كيل أو وزن.

والثاني: ما يتعلق بغش أو تدليس في مبيع أو ثمن.

والثالث: فيما يتعلق بمطل وتأخير لدَيْن مستحق مع المكنة، وإنما جاز نظره في هذه الأنواع الثلاثة من الدعاوى دون ما عداها من سائر الدعاوى؛ لتعلقها بمنكر ظاهر هو منصوب لإزالته، واختصاصها بمعروف بيّن هو مندوب إلى إقامته؛ لأن موضوع الحسبة إلزام الحقوق والمعونة على استيفائها، وليس للناظر فيها أن يتجاوز ذلك إلى الحكم الناجز والفصل البات، فهذا أحد وجهي الموافقة.

والوجة الثاني: إنَّ له إلزام المدعى عليه للخروج من الحق الذي عليه، وليس هذا على العموم في كل الحقوق، وإنما هو خاص في الحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها، وإذا وجبت باعتراف وإقرار مع تمكنه وإيساره، فيلزم المقر الموسر الخروج منها ودفعها إلى مستحقها؛ لأن في تأخيره لها منكرًا هو منصوب لإزالته.

وأما الوجهان في قصورها عن أحكام القضاء:

فاحدهما: قصورها عن سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدعاوى في العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات، فلا يجوز أن ينتدب لسماع الدعوى لها، ولا أن يتعرّض للحكم فيها، لا في كثير الحقوق، ولا في قليلها من درهم فما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015