وفيما يراد للزرع والغرس أحد شيئين: إما حيازتها بحائط، أو سوق الماء إليها إن كانت يبسا، أو حبسه عَنْهَا إنْ كَانَتْ بَطَائِحَ، لِأَنَّ إحْيَاءَ الْيَبِسِ بِسَوْقِ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَإِحْيَاءَ الْبَطَائِحِ بِحَبْسِ الْمَاءِ عنها حتى يمكن زرعها وغرسها. ولا يقوم جَمْعُ التُّرَابِ الْمُحِيطِ بِهَا حَتَّى يَصِيرَ حَاجِزًا بينها وبين غيرها مقام الحائط. ولا يشترط فيه حرثها، وهو يَجْمَعُ إثَارَةَ الْمُعْتَدِلِ، وَكَسْحَ الْمُسْتَعْلِي، وَطَمَّ الْمُنْخَفِضِ.

وقد قال أحمد في رواية على بن سعيد، " الإحياء لا يكون إلا بأن يحوط عليها، فإن كرب حولها لم يستحق بذلك حتى يحوط" وقال " الإحياء من احتاط حائطا أو احتفر بئرا ومن احتاط يمنع الناس والدواب فهي له، زرع فيها أو لم يزرع، ومن حفر بئرا فحريمه خمسة وعشرون ذراعا، فلم يجعل جمع التراب بالكوب إحياء، واشترط الحائط أو حصول مائها. وكذلك قال في رواية عبد الله " والإحجار ليس بشيء إلا أن يرفعه بحائط" وكذلك قال في رواية أحمد بن أبي عبيدة في أرض سبخة لا رب ضرب عليها الناس، فقال: " هل بني عليها حائط؟.فقيل له: فقال: لا، إلا أن يبني عليها حائطا". وقال في رواية إسحاق " والأرض الموات إنما يكون إحياؤها بأن يعمل فيها أو يحفر، ويبني فيكون بهذا أحياها، ولا يكون بالزرع أحياها". وقد روى أبو بكر بإسناده عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من احتاط حائطا على أرض فهي له". فظاهر هذا: أنه يملكها بالحائط ولم يعتبر التسقيف في ذلك ولا الحرث، كما قال " من قتل قتيلا فله سلبه" ولأن الموات هو الذي لا منفعة فيه. وإذا أحاط عليها حائطا انتفع بها بجبر وطيج وجمع الماشية فخرج بذلك عن حكم الموات. فإن أقام عليها بعد الإحياء من قام بزرعها وحراثتها كَانَ الْمُحْيِي مَالِكًا لِلْأَرْضِ، وَالْمُثِيرُ مَالِكًا لِلْعِمَارَةِ، فَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الْأَرْضِ بَيْعَهَا جَازَ، وَإِنْ أراد مالك العمارة بيعها فقياس المذهب أنه يجوز له بيع العمارة التي هي الإثارة، سواء كان فيها أعيان قائمة: كشجر أو زرع أو لم يكن. ويكون الأكار شريكا في الأرض بعمارته لأنه قد قال في الغاصب " إذا كانت له آثار في العين كان شريكا بها ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015