أحدهما: أنه لما استحال أن يكون العالم محدثا لذاته لإفضائه إلى وجوده قبل حدثه دل على أن محدثه غيره.

والثاني: أن وجود ما لم يكن يوجب أن يقتضي موجدا كما اقتضى المبنى بانيا والمصنوع صانعا والدليل على قدم محدثه شيئان:

أحدهما: أنه لا أول له وما لا أول له قديم.

والثاني: أنه لو لم يكن قديما لاحتاج إلى محدث ولاحتاج محدثه إلى محدث ولا تنتهي إلى ما لا غاية له فامتنع وثبت قدمه أنه لم يزل ولا يزال فلم يكن له أول ولا يكون له آخر. وإذا كان محدثه قديما وجب أن يكون قادرا مريدا.

والدليل على قدرته أنه يصح منه أن يفعل ولا يفعل مع انتفاء الموانع وقد فعل فدل وجود الفعل منه على قدرته عليه، والدليل على أنه مريد أنه لما وجد منه الفعل وهو غير ساه ولا مكره ولا عابث لانتفاء السهو عنه بعلمه وانتفاء الإكراه عنه بقدرته وانتفاء العبث عنه بحكمته دل على إرادته كما كانت كتابة الكاتب مع انتفاء هذه العوارض دليلا على إرادة كتابته فصار إحداثه للعالم دليلا على قدمه وحدوث أفعاله وقدمه يوجب أن تكون صفات ذاته قديمة لقدمه وحدوث أفعاله يوجب أن تكون صفات أفعاله محدثه.

وأما الفصل الثالث: أنه واحد لا شريك له ولا مثل، فالدليل عليه شيئان:

أحدهما: أن عموم قدرته شامل لجميع المحدثات فوجب أن يكون محدث بعضها محدثا لجميعها إذ ليس بعضها بأخص بقدرته من بعض، فأوجب تكافؤ الأمرين عموم الجميع.

والثاني: أنه لو كان معه غيره لم يخل أن يكون مماثلا أو مخالفا، فإن خالفه بطل أن يكون قادرا، وإن ماثله استحال وجود إحداث واحد من محدثين كما استحال وجود حركة واحدة من متحركين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015