لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) هذه قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وقرأ علقمة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة «لبثين» «1» بغير ألف. وقد اعترض في هذه القراءة فقيل: هي لحن لا يجوز: هو حذر زيدا، وإن كان سيبويه قد أجازه وأنشد: [الكامل] 525-

حذر أمورا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار «2»

وأنشد الفراء: [الكامل] 526-

أو مسحل عمل عضادة سمحج ... بسراته ندب لها وكلوم «3»

إلّا أن سيبويه أنشده «أو مسحل شنج» ، وقال قوم: هو لحن لأنه إنما يقال:

حذر، وكذا باب فعل لمن كان في خلقته الحذر، فأما اللّابث فليس من ذلك في شيء.

قال أبو جعفر: أما القول الأول فغلط ولا يشبه هذا قولك: حذر زيدا لأن أحقابا ظرف وما لا يتعدّى يتعدى إلى الظرف، وأما الثاني فهو يلزم إلّا أنه يجوز على بعد.

والقراءة بلابثين بيّنة حسنة. فأما حجة من احتجّ بلبثين بما رواه شعبة عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله «لبثين» فلا حجة فيه لأن أبا إسحاق لم يلق عبد الله، ولو كان إسناده متصلا كانت فيه حجة، وهذه الأشياء تؤخذ من قراءة عبد الله بما لا تقوم به حجة من إسناد منقطع أو من صحف قد يكتب لابثين بغير ألف فيتوهّم قارئه أنه «لبثين» . وفي هذه الآية إشكال لقوله جلّ وعزّ: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً وهم لا يخرجون منها. فمن أحسن ما قيل فيها أن قتادة قال: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا انقطاع لها فعلى هذا التقدير يكون الجمع وحقبة حقب، وأحقاب جمع الجمع كما قال: [الطويل] 527-

وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر حتّى قيل لن يتصدّعا «4»

ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وقد ذكرنا ما قال أهل التفسير في معناه.

فأما أهل اللغة فقولهم إن الحقب والحقبة يقعان للقليل من الدهر والكثير. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: سألنا أبا العباس محمد بن يزيد عن قول الله جلّ وعزّ: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً فقال: ما معنى هذا التحديد؟ ونحن إذا حددنا الشيء فقلنا: أنا أقيم عندك يوما، كان في قوة الكلام أنك لا تقيم بعد اليوم ثم لم يجبنا عنها مذ نيف وثلاثون سنة ونظرت فيها فوقع لي أنه يعني به الموحدون العصاة ثم نظرت فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015