وأما قوله تعالى: (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (?) فنقول: من قال «يرون» يحتمل رؤية العين، ورؤية القلب، فمن قال: هو من رؤية القلب، ففي المعنى يتعدى إلى مفعولين، فإذا جعلتها المتعدية إلى مفعولين سد مسدهما. وأن تكون من رؤية العين أولى لأنهم يستنظرون في مشاهدة ذلك، والإعراض عنه، وترك الاعتبار به، وهذا أبلغ في هذا الباب من المتعدية إلى مفعولين ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر من المنصرف عما يشاهد.

ومن قرأ (أَوَلا يَرَوْنَ) فبنى الفعل للمفعول به، كان «أنّ» فى موضع نصب «أنه» مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد، وذلك أنك تقول: رأى عمرو كذا وتقول: أرأيت عمراً كذا، فيتعدى إلى مفعولين بالنقل، فإذا بنيت الفعل للمفعول به تعدى إلى مفعول واحد، كالدرهم، في قولك: أعطى زيد درهماً.

ولا يكون «يرون» هنا كالتي في قولك: أرى زيداً منطلقاً، لأن المعنى: ليس على: يظنون أنهم يفتنون في كل عام إنما المعنى: على أنهم يشاهدون ذلك ويعلمونه علم مشاهدة.

وليس المعنى: أنهم يظنون الفتنة في كل عام لأن الظن في الفتنة ليس بموضع اعتبار، وإنما فزعوا على ترك الاعتبار بالمشاهدة، وأنهم مع ذلك لا يتوبون ولا يذكرون فيعتبروا ويتنبهوا على ما يلزمهم الانتهاء والإقلاع عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015