الْمَذْكُورَاتُ وَالتَّحَدُّثُ بِهَا شُكْرُهَا عَمَلِيًّا مِنْ إِيوَاءِ الْيَتِيمِ كَمَا آوَاهُ اللَّهُ، وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ كَمَا أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَتَعْلِيمِ الْمُسْتَرْشِدِ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ، أَيْ: كَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَتَنَعَّمْ أَنْتَ عَلَى غَيْرِكَ ; تَأَسِّيًا بِفِعْلِ اللَّهِ مَعَكَ.

وَقِيلَ: التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ هُوَ التَّبْلِيغُ عَنِ اللَّهِ مِنْ آيَةٍ وَحَدِيثٍ، وَالنِّعْمَةُ هُنَا عَامَّةٌ ; لِتَنْكِيرِهَا وَإِضَافَتِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [16 \ 53] ، أَيْ: كُلُّ نِعْمَةٍ، وَلَكِنِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا فِي الْوَحْيِ أَظْهَرُ أَوْ هُوَ أَوْلَى بِهَا، أَوْ هُوَ أَعْظَمُهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [5 \ 3] فَقَالَ: «نِعْمَتِي» ، وَهُنَا «نِعْمَةُ رَبِّكَ» . وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا نَحَرَ مِائَةَ نَاقَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ، فَفَعَلَ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى إِتْمَامِ النِّعْمَةِ بِإِكْمَالِ الدِّينِ.

وَقَدْ قَالُوا فِي مُنَاسَبَةِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا قَبْلَهَا: إِنَّ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الصِّدِّيقِ: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى [92 \ 17 - 21] ، وَهُنَا فِي الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [93 \ 3 - 5] مَعَ الْفَارِقِ الْكَبِيرِ فِي الْعَطَاءِ وَالْخِطَابِ.

وَالْوَاقِعُ أَنَّ مُنَاسَبَاتِ السُّوَرِ الْقِصَارِ أَظْهَرُ مِنْ مُنَاسَبَاتِ الْآيِ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، كَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ: «وَاللَّيْلِ» مَعَ «وَالضُّحَى» ، ثُمَّ مَا بَيْنَ: «وَالضُّحَى» وَ «أَلَمْ نَشْرَحْ» إِنَّهَا تَتِمَّةُ النِّعَمِ الَّتِي يُعَدِّدُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ. وَهَكَذَا عَلَى مَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَعْلَمُ عِلْمًا ; بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَعْتَبِرْ تِلْكَ الْمُنَاسَبَاتِ. وَلَكِنْ مَا كَانَتِ الْمُنَاسَبَةُ فِيهِ وَاضِحَةٌ، فَلَا يَنْبَغِي إِغْفَالُهُ، وَمَا كَانَتْ خَفِيَّةً لَا يَنْبَغِي التَّكَلُّفُ لَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015