14

قَوْلُهُ تَعَالَى: جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا

بَيَّنَ تَعَالَى الْغَرَضَ مِنْ جَعْلِ الْأَصَابِعِ فِي الْآذَانِ لِعَدَمِ السَّمَاعِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ [41 \ 26] ، وَإِصْرَارُهُمْ وَاسْتِكْبَارُهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَنِ اتِّبَاعِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

كَمَا قَالُوا: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ [11 \ 27] ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [42 \ 13] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا

رَتَّبَ إِرْسَالَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا عَلَى اسْتِغْفَارِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي تَيْسِيرِ الرِّزْقِ.

وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ; فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» .

وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ «هُودٍ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا [11 \ 3] .

كَمَا دَلَّتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [71 \ 25] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا هِيَ الْمُبِيَّنَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [12 \ 12 - 14] .

وَهَذَا مَرْوِيٌّ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْقُرْطُبِيُّ.

وَقِيلَ: «أَطْوَارًا» : شَبَابًا، وَشُيُوخًا، وَضُعَفَاءً.

وَقِيلَ: «أَطْوَارًا» أَيْ: أَنْوَاعًا: صَحِيحًا، وَسَقِيمًا، وَبَصِيرًا، وَضَرِيرًا، وَغَنِيًّا، وَفَقِيرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015