46

وَقَالَ تَعَالَى: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [10 \ 27] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [80 \ 40 - 42] ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أَيْ يَعْلُوهَا وَيَغْشَاهَا سَوَادٌ كَالدُّخَانِ الْأَسْوَدِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي زُرْقَةِ عُيُونِهِمْ: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [20 \ 102] ، وَلَا شَيْءَ أَقْبَحَ وَأَشْوَهَ مِنْ سَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ، وَلِذَا لَمَّا أَرَادَ الشَّاعِرُ أَنْ يُقَبِّحَ عِلَلَ الْبَخِيلِ بِأَسْوَأِ الْأَوْصَافِ وَأَقْبَحِهَا، فَوَصَفَهَا بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ حَيْثُ قَالَ:

وَلِلْبَخِيلِ عَلَى أَمْوَالِهِ عِلَلٌ ... زُرْقُ الْعُيُونِ عَلَيْهَا أَوْجُهٌ سُودُ

وَلَا سِيَّمَا إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ سَوَادِ الْوَجْهِ اغْبِرَارُهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ قُبْحًا عَلَى قُبْحٍ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْسِيرَهُ وَالْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الطُّورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [52 \ 13] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ.

أَمَّا قَوْلُهُ: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الطُّورِ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [52 \ 14] .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ الْآيَةَ [22 \ 19 - 20] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ الْآيَةَ قَدْ يَكُونُ فِيهَا وَجْهَانِ صَحِيحَانِ كِلَاهُمَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ، فَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ مُبَيِّنِينَ أَنَّهُ كُلَّهُ حَقٌّ، وَذَكَرْنَا لِذَلِكَ أَمْثِلَةً مُتَعَدِّدَةً فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015