الشرعية -كما يقول أحد المعاصرين- جمع بين متناقضيْن، وهو محال على الشارع الحكيم المحيط علمه بكل شيء؛ لأنه أمارة العجز، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وإنما المراد: التعارض الظاهري في نظر المجتهد المستنبط للأحكام من أدلتها قبل معرفة الناسخ والمنسوخ من الدليل، أو قبل أن يظهر له رجحان أحدهما على الآخر أو إمكان الجمع بينهما؛ فهو يحكم في بادئ الأمر بالتعارض قبل البحث، وبعد بحثه وتأمله يزول هذا التعارض.

أما أدلة النحو؛ فيجوز أن يوجد بينها تعارض حقيقي؛ إذ إن أحد الأدلة يثبت حكمًا وينفيه الآخر، وحينئذ يكون الترجيح بين الأدلة المتعارضة، هذا وارد في النحو.

وإذا عرفنا أن مبحث التعارض والترجيح منقول من أصول الفقه إلى أصول النحو مع الفارق الذي بيَّنَّاه؛ فإننا نشير إلى أن ابن جني قد أفرد في كتابه (الخصائص) بابًا عنوانه: باب في تعارض السماع والقياس؛ كما أشار إلى تحكيم القياس في الترجيح بين السماعين إذا تعارضا، وعقد الأنباري في كتابه (الإغراب في جدل الإعراب) فصلًا عنوانه: في ترجيح الأدلة؛ كما عقد في كتابه (لمع الأدلة) ثلاثة فصول: أولها: في المعارضة، وثانيها: في معارضة النقل بالنقل، وثالثها: في معارضة القياس بالقياس.

ثم جاء السيوطي فجمع ما ذكره ابن جني وما ذكره الأنباري، وزاد عليهما فصولًا؛ فجعل التعارض والترجيح في ست عشرة مسألة.

وبتأمل هذه المسائل التي ذكرها السيوطي في (الاقتراح) نلحظ أن بعض هذه المسائل يندرج تحت تعارض الأدلة النحوية، مثل: التعارض بين سماعين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015