وقد وقع في بعض الكتب اشتراطُ اتّحاد الحكم (?).

وهو لا يصحُّ؛ لأنه مع اتّحاد الحكم لا يوجدُ تعارُضٌ، وقد يُحملَ ذلك على اتّحاد محلّ الحكم. ولكنه جعل اتّحادَ محلّ الحكم شرطاً مستقلاًّ! فلْيُتنبّه لذلك.

وهذه الشروط التي يذكرها بعضُ الأصوليين لو تحقّقت لانسدَّ بابُ الترجيح، وامتنع الجمعُ بين الدليلين، وامتنع القولُ بالنسخ؛ لأن الدليلين إذا تساويا في الثبوت والقوَّة لا يُمكنُ الترجيحُ بينهما، وإذا اتّحدا في المحلّ والزمان والجهة لا يُمكنُ الجمعُ بينهما، ولا القولُ بنسخ أحدهما بالآخَر.

ولهذا فلا بدَّ أنْ نعرفَ أن اصطلاحَ الأصوليين والفقهاء في التعارُض يصدُقُ على التعارُض في الظاهر للمجتهد ولو لم تتحقق فيه تلك الشروط، غير أنه لا بد لحصول التعارض من تقابل دليلين ظنيين، وتقاربهما في القوة عند المجتهد، ولذا قالوا قد يكونُ الدليلان متعارضين في الظاهر ثم يجتهدُ الفقيهُ في الجمع بينهما، أو في تقديم أحدهما على الآخَر، إما لقوَّته أو لكونه ناسخاً له.

ويُؤيّدُ ذلك قولُهم: «لا يكونُ الترجيحُ إلاّ مع وجودِ التعارُض، فحيثُ انتفى التعارُضُ انتفى الترجيحُ» (?).

كما يؤيده قول الجمهور: إن التعارُضَ بين الأدلّة إنما هو في الظاهر، أما في واقع الأمر فلا تعارُضَ.

ومنع بعضُ العلماء من استمرار التعارُض الظاهري إلى الأبد، وقال: لا يُوجدُ له مثالٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015