أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 39/ 53] .

مع علم الله بأن من عادة الإنسان إن لم يتسلح بالإيمان، والأمل بثواب الله أن يتصف باليأس، والقنوط عند نزول الشدائد: {لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت: 41/ 49] ، ولكن الله يرضى لعباده اليأس والقنوط، ولذلك قرن اليأس بالكفر: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ، وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ، إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11/ 9-11] .

كذلك لا ينبغي أن يطغى الفرح بزوال الشدة، فينسى الإنسان عقاب الله وقدرته، ويجعله فخورا بنفسه، معتدا بحوله وقوته مما يدعوه للعودة إلى المعاصي.

بل ينبغي أن يجمع الإنسان بين الخوف والرجاء، الخوف من عقاب الله وعظمته ومقامه، فلا يطغى ولا يتملكه الغرور، والرجاء في رحمة الله، فلا ييأس من عفوه.

وكل من اليأس والغرور يؤدي إذا تمادى بصاحبه إلى الكفر، أو الفسوق والطغيان: كما يفهم من الآيات السابقة، ومن قوله تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 7/ 99] ، وقوله: {وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 12/ 87] .

ولو استجمع الإنسان في ذهنه صفة من صفات الكمال الإلهي، مع ما يقابلها من تلك الصفات، لما وقع في شيء من التناقض، أو الإفراط والتفريط في جنب الله، فاستشعار غضب الله يجب ألا ينسينا رحمته، وإرادته المطلقة ينبغي ألا تنسينا حكمته، وهكذا يقول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 7/ 167] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015