الرجوع إلى الأصل الذي نقل عنه، لا ينفعه الاعتماد على هذا المصدر وهو كتاب المؤلف، لماذا؟ لأنه حذف الأسانيد.

وهكذا نحس وراء هذا المنهج فكرًا ناضجًا، وشخصية تتصف بالذكاء والخبرة والتحضر، وتجمع بين عدة ثقافات متنوعة، ذكر المنهج كاملا في كتابه حتى لا يترك القارئ في حيرة للبحث عن منهجه، وهو كما رأيت منهج علمي سديد، يتصل بالترتيب، يتصل باختيار النماذج وكيفية توظيفها توظيفًا جيدًا، حتى تتسم وتتسق مع الأفكار، أو الموضوعات التي يعرضها، ثم لم يحرم المتلقي من مراعاة ظروفه من حيث التخفيف، وتقديم المعلومة في وقت وجيز؛ حتى لا يمل أو يجهد نفسه.

أما بالنسبة لقيمة كتاب (العقد) في ميدان الأدب؛ فإن الكتاب يمثل موسوعة ضخمة في الثقافة العربية، ودائرة معارف تكاد تكون مكتملة الحلقات من الأخبار والنصوص الأدبية، ويعد أول كتاب في الأندلس من حيث الإفاضة والشمول والتنوع، وكثرة التمثل عن أدب المشارقة، كما يعد كتاب (العقد الفريد) أيضًا مصدرًا مهمًا لمن يريد التعرف على حياة العرب؛ الأدبية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ففيه حديث طويل عن الأدب، فيه اختيارات متنوعة من النصوص الأدبية الجيدة ما بين قصيدة وخطبة وحكمة ومثل.

وهذه الاختيارات ناتجة عن ذوق فردي، وبالتأمل فيها نجد أنها اختيارات دقيقة تنم عن ذوق فني رفيع، قصائد ذات موضوعات جيدة، ذات أساليب فنية جيدة، حكم سائرة، أمثال جيدة، فهي فعلا زاد أدبي لمن أراد أن يتزود بمثله، كما يحتوي الكتاب أيضًا على دراسة وافية لأوزان الشعر العربي، والعروض والقافية، وما يتصل بهذا الجانب من زحاف وعلل، مع ذكر نماذج عدة لكل ذلك، وفي الكتاب أيضًا حديث عن التاريخ العربي والإسلامي، إذ تحدث عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015