وهذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحدة تخالفها! وأنا أقرر في ثقة بوعد اللّه لا يخالجها شك، أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله، إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان. إما في الشعور وإما في العمل - ومن الإيمان أخذ العدة وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل اللّه وتحت هذه الراية وحدها مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة - وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر للمؤمنين - حين يوجدون!

ففي «أحد» مثلا كانت الثغرة في ترك طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي الطمع في الغنيمة. وفي «حنين» كانت الثغرة في الاعتزاز بالكثرة والإعجاب بها ونسيان السند الأصيل! ولو ذهبنا نتتبع كل مرة تخلف فيها النصر عن المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئا من هذا .. نعرفه أو لا نعرفه .. أما وعد اللّه فهو حق في كل حين. نعم. إن المحنة قد تكون للابتلاء .. ولكن الابتلاء إنما يجيء لحكمة، هي استكمال حقيقة الإيمان، ومقتضياته من الأعمال - كما وقع في أحد وقصه اللّه على المسلمين (?) - فمتى اكتملت تلك الحقيقة بالابتلاء والنجاح فيه، جاء النصر وتحقق وعد اللّه عن يقين.

على أنني إنما أعني بالهزيمة معنى أشمل من نتيجة معركة من المعارك .. إنما أعني بالهزيمة هزيمة الروح، وكلال العزيمة. فالهزيمة في معركة لا تكون هزيمة إلا إذا تركت آثارها في النفوس همودا وكلالا وقنوطا. فأما إذا بعثت الهمة، وأذكت الشعلة، وبصرت بالمزالق، وكشفت عن طبيعة العقيدة وطبيعة المعركة وطبيعة الطريق .. فهي المقدمة الأكيدة للنصر الأكيد. ولو طال الطريق!

كذلك حين يقرر النص القرآني: أن اللّه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا .. فإنما يشير إلى أن الروح المؤمنة هي التي تنتصر والفكرة المؤمنة هي التي تسود. وإنما يدعو الجماعة المسلمة إلى استكمال حقيقة الإيمان في قلوبها تصورا وشعورا وفي حياتها واقعا وعملا. وألا يكون اعتمادها كله على عنوانها. فالنصر ليس للعنوانات. إنما هو للحقيقة التي وراءها ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015